«شنطة سفر»: الراهبة (2-2)

شارع الحمرا (وما حوله من وسط بيروت القديمة) بالنسبة لي منطقة تاريخية تنعكس عليها مشاهد الزمن الجميل وقدرت بعين خيالي أشوف احتفاء بيروت بمحمود درويش شاعرا للمقاومة. لسة فيه شوية شجر بيزينوا شارع الحمرا ولسة فيه حديقة رينيه معوض وشوية مقاعد للجلوس تُتيح لك تأمّل الشارع والمارّة وأنت مستريح عليها. وانتهاك شارع الحمرا في بيروت لم يشمل فقط مقاهي الرصيف على جانبيه، بل أصاب أكشاك بائعي الصحف والكتب، فتراجع نشاط الباعة ونهم القراء.

ويقول أبونعيم الذي يبيع الصحف والكتب في الشارع منذ العام 1967 إن شارع الحمرا “سيبقى من أهم الشوارع مهما تغيرت أحواله”. وأنا شايفة كدة فعلا ومتأكدة إن اللبنانيين بكل حبهم للحياة ولتاريخهم حيرجعوه علم. في شارع الحمرا البياعين بيدلعونا جدا بدون ما يتلزقوا فينا وحتى لو قلنا لهم بنتفرج بس، ومحلات الأكل وخاصة الحلويات بيوزعوا علينا عشان نذوق وبيعاملونا حلو لما بيعرفوا إننا مصريين ودي حاجة بتفرق معايا جدا. وفيه شوية شحاتين شوام من اللي ظروفهم الصعبة اضطريتهم ينزحوا على بيروت. ومن أجمل ذكرياتي في شارع الحمرا سوق المنتجات البيتي السوري من صابون وزيت زيتون وحاجات حلوة كتيرة واتعرفت فيه على أصدقاء شوام ومحامي عراقي ولا زلنا نتواصل حتى اليوم.

***

نسيب شارع الحمرا ونطلع عالروشة. ومنظر الروشة وكافيتيريات الروشة. المنظر فعلا ياخد العقل. المعاملة في الكافيتيريات زي الفل. مفيش حد أدني للطلبات، المقبلات غير عادية والأطباق كبيرة جدا وأطباق الفاكهة من الجنة والأسعار بالدولار والشيشة بثلاثين دولار. حتنقل لساحة الشهدا. ساحة الشهداء هي التي أعدم فيها الوالي العثماني رجالا وطنيين عرفوا بشهداء لبنان (عرفت قبلها المنطقة باسم  ببساتين فخر الدين).

وفي القرن الثامن عشر رمّم أحمد باشا الجزار القصر وحوّله إلى برج لمراقبة سواحل البحر المتوسط تحسّبا لهجوم الأساطيل. وفي إحدى غارات الأسطول الروسي، جاءوا بمدافعهم إلى الساحة لدك البرج فسميت المنطقة بساحة المدفع ثم ساحة البرج وفي عام 1831م، دخلت قوات إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا إلى لبنان واتخذ من هذه الساحة معسكرا لجيوشه المصرية ورمم البرج القديم وسميت الساحة وقتها بساحة البرج.

وخلال عام 1878م تم وضع مسلّة من الرخام بالساحة، وأضيفت منطقة للجلوس وقهوة وأُطلق على المكان اسم منتزه الحميديّة، نسبة إلى السلطان عبد الحميد الثاني. ودشن مبنى سمي بالسراي والذي استخدم كمركز للحكم العثماني. ومن هذه السراي أُعلن استقلال لبنان وخلال عام 1916، وأعدم جمال باشا، الذي عرف بالسفاح عدد 14 وطنيا لبنانيا وسوريا في الساحة إثر خسارة الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى متهمهم بالخيانة.

***

وحين دخل الفرنسيين إلى بيروت، أنشأوا قوسا ليخلّدوا ذكرى الشهداء. وفي العام 1950م، أمر رياض الصلح بهدم السراي لتوسيع الساحة وإنشاء مناطق تجارية حديثة فأصبحت ساحة الشهداء قلب بيروت التجاري. وفي عام 1952 خصصت الحكومة جائزة دولية لوضع تصميم جديد لنصب الشهداء وتم اختيار تصميم المهندس سامي عبد الباقي وبعد أحداث 1958، كلّف مجلس مدينة بيروت البلدي النحات الإيطالي مارينو مازاكوراتي بنحت نصبا جديدا للشهداء. وتم تدشين النصب رسميا عام 1960. وخلال الحرب الأهلية الثانية بعد الاستقلال 1975-1990، أصبحت الساحة خط تماس بين المتصارعين لمدة 15 عاما مما حولها إلى منطقة دمار رهيبة.

وبعد انتهاء الحرب في عام 1991م وإنشاء منطقة سوليدير كمشروع ضخم لإعادة إعمار وسط بيروت، أُعيد تأهيل وبناء الساحة بحسب مخططات حديثة وأنشئ مسجد محمد الأمين الضخم غربي الساحة ورمم نصب الشهداء وعادت الساحة قلب العاصمة بيروت من جديد. وأُقيمت فيها العديد من الاحتفالات والمهرجانات الثقافية والفنية التي جذبت ألوف من الجماهير. وفي عام 2005م، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أصبحت الساحة ملتقى الاستقلاليون الجدد وشاهدت حشود ضخمة سميت بالمليونية. وسميت الساحة بعدها بساحة الحرية. وبالميدان مبنى لازال يحمل طلقات مدافع الحرب.

شوارع مغطاة في أسواق بيروت
شوارع مغطاة في أسواق بيروت
***

أما جامع الأمين فتأسس في القرن التاسع عشر كزاوية صوفية ثم جامع صغير حمل اسم (محمد الأمين) نسبة للرسول عليه الصلاة والسلام. وفي عام 2002م وضع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري حجر أساس بناء الجامع الحالي على أنقاض المسجد القديم. والجامع طرازه عثماني وقبابه باللون الأزرق وله أربعة مآذن وبعض التفاصيل المعمارية على الطابع المملوكي. ويعتبر من أضخم مساجد لبنان وأفخمها ويتسع لنحو خمسة آلاف شخص. ومن أهم معالم المنطقة فندق سان جورج واللي أتمنى أشوفه يرجع زي الأفلام. أما منطقة السوليدير فهي مختصر اسم شركة التطوير وتعتمد على خلق العمود الفقري للمشاة. الذي يربط بين وسط المدينة الحالي وأسواق بيروت والكورنيش المفتوح للمشي والركض والعجل. وابتكرت سوليدير معالم ثقافية وترفيهية وتجارية. ومن أجمل المناطق اللي هناك خليج زيتونة واللي فيه مجموعة مطاعم وكوفي شوب ترضي كل الأذواق في جو جميل مقابل للبحر ومرسى اليخوت الفارهة. كان لازم أروح وأشوف وأعرف، بس دي ماكانتش بيروت اللي أنا جاية لها.

***

تضمنت بيروت اللي كنت جاية لها حريصا والتليفريك أو مزار سيدة لبنان ويطل على خليج جونية. تمّ بناء الكنيسة وقاعدة التمثال سنة 1907 وتم تدشين تمثال العذراء 1908. المكان وجماله ونظافته والكنيسة اللي وراه والمعاملة الحلوة في كل حتة في لبنان. بس اللي وجع قلبي بشكل شخصي هو القيمة السياحية اللي البيروتيين بيعاملوا بيها معالمهم وهي مش آثار بالنسبة لعمرها مقارنة بما نملك في مصر – وجه في بالي تمثال العدرا فوق جبل الطير في المنيا. التليفريك مغامرة جميلة بنشوف منه أجزاء كبيرة من بيروت والجبال والخضرة والشجر والبيوت. وبنشوف الناس اللي بتقفز بالمظلات واللي بتركب منطاد وبنهبط في منطقة فيها مول ومطاعم ومواصلات.

ومن معالم بيروت اللي كنت مبسوطة إني أشوفها كان مبنيين للمعمارية العراقية زها حديد وهما مبنى الجامعة الأمريكية اللي افتتح عام 2014 والمول اللي اتحرق سنة 2020. وببيروت تصميمات معمارية كثيرة جميلة ومن أوائل المباني اللي كانت ملهمة بالنسبة لي العمارة السكنية المسماة بـ”تراسات بيروت” أو “الاستوديوهات الخضراء”. أو مدرجات بيروت وهي قرية عمودية في وسط بيروت. تم تصميمه بواسطة شركة هرتزوج ودي ميرون. وفي بيروت بيهتموا في المباني الجديدة عامة بالتكنولوجيا.

نصب "سيدة لبنان" في حريصا، مشرف على بيروت.
نصب “سيدة لبنان” في حريصا، مشرف على بيروت.
***

وما ينفعش نكون في لبنان وما نطلعش منطقة الأرز في الشمال. والأرز رمز لبنان وتاج علمه. وكلما صعد بنا الباص في الطرق الملتوية ازداد الهواء نقاء والجو انتعاشا وأصبح بالإمكان مشاهدة قمم البيوت الصغيرة المتناثرة المغطاة بالثلوج وعند القمة وقف الباص وبصيت لقيت حواليا مشهد غريب. أحلى كتير من اللي كنت بشوفه في السينما والصور. تحت خالص بحيرات صافية، وحواليها جبال خضرا، ويبدأ اللون الأبيض ينتشر لحد تحت رجليا. وفي مستوى النظر وعلى مدد الشوف شجر الأرز الجميل… وبعد ما اتمشينا، واتشقلبنا وعملنا ملائكة التلج، نزلنا شوية ولقينا كتير من الأكواخ لفنادق ومطاعم صغيرة ودكاكين التذكارات وعسل الأرز والمنتجات الجبلية المختلفة. والطريق دة كمان بيودي لمركز التزلج الذي يبلغ ارتفاعه أكتر من 2000م فوق السطح البحر، ومن بعده إلى البقاع.

من الرحلات اللي بتنطلق من بيروت رحلة مغارة جعيتا إلى الشمال من بيروت. وهي أشهر مغارة فيها قاعات نحتتها الطبيعة وتسللت إليها المياه الكلسية ودة خلق تشكيلات نحتية رهيبة. وفيها المغارة العليا والمغارة السفلى وبها مسافات مشي على الأقدام وكذا تراس وبيتعمل فيها مهرجانات موسيقية. وفيه كمان منطقة الفرايا، برضه رحلة خارج بيروت بمسافة 50 كم. وفيها عدد كبير من مراكز التزلج مخصصة لمختلف المستويات تقع فاريا على الجهة الغربية لسلسة جبال لبنان الغربية. وترتفع عن سطح البحر حوالي الفين ونص م.

***

وبالرغم من الثلج اللي زي السجادة إلا أن الشمس طالعة! المتزلّجين وراكبي ألواح التزلّج وهواة ركوب العربات الثلجية ومحبّي التزلّج العميق القادمين من مختلف أنحاء العالم. وفيه تلفريك يطلع الناس فوق وينزلوا زحلقة. ومن أعالي هذه الحلبة ومن الموضع المعروف بالمزار. يمكن للناظر أن يمتع الطرف بمشهد رائع يمتد من سهل البقاع وجبل الشيخ إلى منطقة اللقلوق والأرز. إلى جانب التزلج في فاريا، هناك رياضة الـ«راكيت» وال”هايكنج” وبيتنظم لها سيرا على الأقدام. فينتعلون أحذية خاصة مجهزة بأحزمة تربط بها القدم حتى لا يتعرض صاحبها لخطر الانزلاق على الثلج. ومحبو السرعة يمكنهم استئجار الـسكي دو. وإحنا فوق خالص، كنت قررت إني مش حتزحلق وحقعد أتأمل المنظر. وعشان اللبنانيين فرافيش آخر حاجة، لقيت شاب لبناني زي القمر جايب لي كرسي وبيقول لي “أرجيلة؟” قلت له “أفندم” قال لي “مصرية. يبقى شيشة تفاحتين وشاي بالنعنع “.

المطبخ اللبناني يا جماعة! من أول ما أفتح عيني وأسمع كلمة ترويقة الفطور وعقلي يطير. وللمطبخ اللبناني شهرة عالمية وبخاصة مشوياته ومقبلاته “المزة”. وبالرغم من تأثر بطرق طهي من ثقافات مطبخية عبر العصور، عثماني وعربي وبحر متوسطي إلا أن اللبنانيين أضافوا “نفسهم”. والنفس دة ظاهر في البهارات الكثيرة والثوم وزيت الزيتون والخضروات والورقيات والبقليات واللبنة وأنواع الدبس. وينتشر العيران والجلاب والقهوة التركية والقهوة البيضا، والعرقي وبعض أنواع النبيذ والبيرة. تحتوي الأطباق على اللحم الضأن ولحم الماعز والدجاج. أما الحلويات فحكايتها حكاية، وبها المكسرات وخاصة الفستق الحلبي والصنوبر والمستكة والكثير من الحليب والقشطة وماء الزهر. ومن أشهرها ليالي والقشطلية والنمورة و الشعيبيات و حلاوة الشميسة. آه، والله ما يتشبعش منك أبدا يا بيروت يا ست الدنيا.

اقرأ أيضا:

«شنطة سفر»: الراهبة (1-2)

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر