دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

سوق دراو للجمال.. رحلة «سفن الصحراء» من السودان إلى أسوان

يُعد «سوق الجمال» في دراو شمال مدينة أسوان من أقدم الأسواق المتخصصة في تجارة الإبل في مصر، ويشكل مركزا رئيسيا لتوريد الجمال القادمة من السودان. لكن خلال العامين الأخيرين، تأثرت حركة السوق بشكل ملحوظ بسبب الحرب في السودان، التي أدت إلى انخفاض أعداد الجمال الواردة وارتفاع أسعارها نتيجة صعوبة النقل وتوقف بعض طرق التجارة التقليدية.

التجار في «دارو» يؤكدون أن ما يحدث هو الأسوأ منذ عقود. إذ تراجعت حركة البيع والشراء، وتغيرت خريطة السوق التي كانت تعتمد بشكل شبه كامل على الجمال السودانية.

رحلة الجمال إلى سوق دراو

يقول محمود عبدالعزيز، وكيل أحد التجار السودانيين في سوق دراو: “أعمل في تجارة الجمال منذ نحو 30 عاما. تبدأ الرحلة بوصول شحنات الإبل من السودان إلى مصر يومي الاثنين والثلاثاء عبر معبر أرقين الحدودي. لتدخل الحجر البيطري في مدينة أبوسمبل السياحية. حيث تبقى الجمال تحت الملاحظة لمدة يومين، تؤخذ خلالها عينات الدم وتحقن بالتحصينات اللازمة”.

ويتابع: “بعد خروج الجمال من الحجر البيطري، تبدأ عمليات الشحن من محجر أبوسمبل إلى الوكيل في دراو. وتقضي ليلة الجمعة في الأحواش المخصصة لها استعدادا لعرضها في السوق يوم السبت من كل أسبوع. وهناك جمال تُنقل مباشرة من أبوسمبل إلى سوق برقاش في الجيزة”.

تأثير الحرب السودانية على أعداد الجمال

يضيف عبدالعزيز: “تأثرت أعداد الجمال الواردة من السودان بسبب الحرب الدائرة هناك. فقد كان السوق يستقبل من 3 إلى 4 آلاف جمل أسبوعيا. أما الآن فلم يتجاوز العدد 1500 جمل في الأسبوع”.

ويكمل: “تأتي الجمال حاليا من مناطق بعيدة عن القنال وتسلك طرقا صحراوية وعرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها. إذ يبدأ سعر الجمل الكبير من 60 إلى 70 ألف جنيه، بينما تتراوح أسعار الجمال الصغيرة (القعود) بين 45 و50 ألف جنيه. وهو ما تسبب في تراجع حركة البيع بشكل كبير. كما ارتفع سعر كيلو لحم الجمل من 280 جنيها العام الماضي إلى نحو 380 جنيها حاليا”.

داخل السوق

تستقبلك عند دخولك السوق بوابة كبيرة تؤدي إلى ساحة واسعة تعج بالجمال من كل الأنواع. تنتشر المقاهي الصغيرة المتلاصقة، حيث يجلس مرتادو السوق لتناول المشروبات ومتابعة تجارتهم. كما تصطف السيارات المخصصة لنقل الجمال المُباعة، إلى جانب باعة المستلزمات مثل الأحبال وأدوات الركوب والتحكم والخُطم وغيرها.

وتجري عمليات التحميل والتفريغ على ما يعرف بـ”التبة” وهي أرض مرتفعة تقع على أطراف السوق. يقام السوق كل يوم سبت من الصباح حتى العصر. ليبدأ بعدها فصل جديد من رحلة “سفن الصحراء” التي قطعت آلاف الكيلومترات من السودان إلى أسوان.

طقوس البيع والشراء

تتعالى الأصوات من كل جانب في السوق، لتكتشف أنها مفاوضات البيع والشراء بين التجار والمشترين. يمارس البائعون فنون الإقناع والمساومة. بينما يرد المشترون بالفصال حتى يتفق الطرفان على السعر.

وعندما تسمع عبارة “الله يبارك” فهذا يعني أن الصفقة تمت، أما “يفتح الله” فتعني فشل الاتفاق. ويباع الجمل إما فرادي “جمل واحد” أو بنظام الحبل، أي بيع مجموعة من الجمال معا.

علامات تمييز الجمال

رغم الأعداد الكبيرة وتشابه الجمال في الشكل، لا يمكن أن يضيع جمل داخل السوق، كما يؤكد عبدالعزيز. لأن كل جمل يحمل علامة “كي” بالنار خاصة بالتاجر السوداني، وهي بمثابة الختم أو البصمة التي تميزه.

بالإضافة إلى ذلك، تثبت في أذن كل جمل بطاقة بلاستيكية صفراء تحمل رقما خاصا من الحجر البيطري المصري. تؤكد دخول الجمل بصورة شرعية بعد توقيع الكشف البيطري عليه.

تسميات ومهن داخل السوق

يوضح عبدالعزيز أن لكل شخص في السوق صفة محددة:

  • الوكيل: ينسق عملية البيع بين التاجر السوداني والمشتري.
  • الشحانة: المسؤول عن تحميل الجمال على السيارات.
  • القومسيونجي: يحضر السيارات لتحميل الجمال.
  • الدلال: يوفق بين صاحب الجمل والمشتري.

وهناك من يعرف بـ”العاقل” وهو الذي يربط ساق الجمل اليسرى لتقييد حركته أثناء التعامل داخل السوق.

أنواع الجمال في السوق

يقول حمادة المرمي، وكيل الجمال في سوق دراو: “هناك نوعان من الجمال، جمال القنية، وهي الجمال التي يقتنيها المشترون لاستخدامها في الأراضي الزراعية لحمل القصب والمحاصيل. ويمكن تسمينها وتعليفها باستخدام البرسيم والتبن والذرة لمدة ثلاثة أشهر لتتحول إلى جمال لحم”.

ويضيف المرمي: “أما النوع الثاني فهو جمال اللحم، وهي الجمال المعلوفة الجاهزة للذبح وطرح لحومها في الأسواق. ويصل سعر الكيلو منها إلى نحو 420 جنيها. وتمتاز لحوم الجمال بخلوها من الدهون. إذ تتجمع الدهون في منطقة السنام فقط، ما يجعلها لحوما صحية خالية من الدهون الضارة. على عكس لحوم الجاموس والأبقار التي تختلط فيها الدهون باللحم”.

شد وجذب لإتمام البيع

يتابع المرمي قائلا: “بعد وصول الجمال إلى مدينة دراو يومي الأربعاء والخميس، تُنقل إلى الأحواش الخاصة بالوكلاء. حيث تبيت الجمال ليلتها. ومع شروق شمس السبت تبدأ عملية نقلها إلى السوق بصحبة التاجر السوداني والوكيل المصري”.

ويضيف: “يتخذ كل تاجر موقعه داخل السوق مع جماله، لتبدأ عمليات البيع والشراء التي تشهد شدا وجذبا وصوتا عاليا بين المشتري والوكيل المصري. الذي يحاول التوفيق بينه وبين التاجر السوداني في تحديد السعر”.

ويشير المرمي إلى أنه في بعض الحالات يكون الوكيل المصري ضامنا للمشتري أمام التاجر السوداني. وبعد إتمام البيع، تتجه الجمال المباعة إلى منطقة “التبة” داخل السوق لبدء عملية التحميل على السيارات.

ويتابع: “بعدها تغادر الجمال السوق عقب سداد مبلغ 200 جنيه، كرسوم أرضية عن كل جمل مباع أثناء خروجه من البوابة. ومع حلول وقت العصر ينتهي السوق. وتُنقل الجمال المتبقية إلى الأحواش حتى اليوم التالي، لتظل هناك حتى موعد السوق الجديد يوم السبت”.

منع توريد إناث الجمال

يؤكد حمادة أن التجار في السودان يحرصون على منع توريد إناث الجمال ضمن الشحنات المرسلة إلى مصر، حرصا على السلالة الأصلية وحفاظا على استمرارية تجارتهم في بلادهم.

أقدم بائع أدوات في سوق الجمال

على بعد خطوات من مدخل السوق، يجلس مصطفى حسن، الرجل الخمسيني، الذي يعد من أقدم بائعي الأدوات الخاصة بتجارة الجمال، مفترشا بضاعته أمامه.

يقول مصطفى: “أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من ثلاثين عاما. وأبيع جميع الأدوات الخاصة بالجمال مثل الحبال بأنواعها، والأوتاد، والصريمة، والمقص، والمنجل. ولكل أداة منها استخدام محدد”. ويضيف أنه يتواجد في السوق ثلاثة أيام أسبوعيا: السبت والأحد خلال سوق الجمال، والثلاثاء في سوق الماشية. بينما يقضي باقي أيام الأسبوع في مدينة دراو حتى موعد السوق التالي.

سوق الجمال.. مزار سياحي ومصدر رزق

لم يعد سوق الجمال في دراو مجرد مكان للبيع والشراء، بل تحول إلى مزار سياحي يقصده الزائرون الأجانب والعرب أثناء وجودهم في أسوان، لمشاهدة الجمال عن قرب وتوثيق التجربة بالصور ومتابعة عمليات البيع والمساومة.

أما بالنسبة لأهالي دراو، فيعد السوق المصدر الرئيسي للدخل، إذ يعتمد معظم أبناء المدينة على هذه التجارة، سواء كتجار أو وسطاء أو عاملين في الخدمات المرتبطة بها.

اقرأ أيضا:

«أسوان».. مسك الختام

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.