«سواحلنا» مشروع يوثق تراث العجمي المجهول
«سواحلنا» مشروع متميز قدمته رنا أمين للتخرج من كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية. حاولت من خلال هذا المشروع أن تلقي الضوء على الجزء الغربي المنسي من مدينة الإسكندرية. تحديدا منطقة العجمي رغبة منها في البحث عن تراث المكان، وإظهار جماليات المدينة القديمة. كما حاولت توثيق بعض العادات الاجتماعية هناك، وأماكن أثرية في طريقها للزوال، وسكان المكان سواء المتصوفة المغاربة، وصولًا إلى الجنسيات الأوروبية التي سكنت شواطئ العجمي خاصة الجالية اليونانية، لذلك كان مشروعها نقطة انطلاق للبحث عن الجزء المفقود من منطقة تراثية لم تلق حتى الآن الحظ الوافر للعودة لأصولها التاريخية التي مرّت بها. «باب مصر» يلقي الضوء على تفاصيل المشروع.
الأدب والرسم
بدأت علاقة رنا أمين بالرسم في سن مبكر. وقد صاحب ذلك تشجيع أسري. تقول: أدين بالفضل لأسرتي، إذ حرصوا على دعمي أنا وشقيقتي منذ الطفولة عن طريق تزويدنا بمجلات الأطفال. قررت شقيقتي دراسة الأدب، بينما اخترت أنا الرسم. دائمًا ما كنت أرسم أغلفة المجلات، أو حتى اخترع مجلة وأقوم بتصميمها كاملةً، كما ساعدتني مدرستي علي الرسم، فكنت دائمًا ما أتقدم للمشاركة في المسابقات بداخلها.
بداية الرحلة
لم تنقطع رنا عن الرسم طوال فترة دراستها، إلى أن وصلت لمرحلة الثانوية العامة. تقول: وضعت ضمن أولوياتي كلية الفنون الجميلة. ولكن رغم تفهم أسرتي لما أحب، إلا أنهم رغبوا في أن ادرس في إحدى الكليات العلمية. وقد أهلني مجموعي للدراسة في كلية العلاج الطبيعي. لكن كان من الصعب بالنسبة لي أن اتخيل نفسي أدرس في مجال غير الذي أحبه. فاقتنعت الأسرة بدراستي للفن وقدمت في الكلية. كان اختيار القسم الذي سأدرس فيه هو المهمة الصعبة. تركت قسم الديكور في أول يوم دراسة، لأني لم أرد أن أتجه للرسم الهندسي، وقررت أن أدخل قسم “فنون عام” وحصلت على تقدير في السنة الأولى أهلني أن أدخل قسم “الجرافيك”. ومن هنا بدأت رحلتي داخل الكلية. فأنا لم أرد أن أتحول للتصاميم الإلكترونية، الذي قد تنسيني الرسم. حاولت تحقيق التوازن بحيث أكون مطلعة على السوفت وير والأساليب الحديثة، وكذلك الرسم اليدوي. فاخترت شعبة “رسوم النشر” وحين دخلت الشعبة بدأت أرى اتجاه هذا القسم فزاد إعجابي به. كانت الدراسة في القسم فرصة جيدة أستطيع من خلاله تحقيق عائد مادي وفي نفس الوقت أقوم بفعل الشيء الذي أحبه. لذلك بدأ اهتمامي يزيد بالرسم الصحفي، وصولًا إلى مشروع التخرج وهو مشروع “سواحلنا”.
تغيرات بصرية
تستطرد: أود أن أشير لشيء وهو أن مشاريع التخرج في قسم “رسوم النشر” يجب أن تُبنى على نص. بمعنى أن الطالب يأتي بنص أدبي أو علمي، لأي رواية ويبدأ بإعادة صياغة للرسوم المصاحبة لها، أو تقديم رسوم جديدة لها. وبدأت وقتها في البحث عن اهتماماتي، ووجدت أنني مغرمة برسم الأماكن والمدن. فعندما كنت في السنة الثانية اطلعت على نوع من الرسم يسمى بـ”الرسم الحضاري” واشتركت في عدة جروبات وكنا نرسم معالم الإسكندرية.
وفي فترة الكورونا زاد تعمقي بالأمر، وركزت على توثيق المدن بشكل عام ومدينتي بشكل خاص وتحديدًا منطقة العجمي. التي عشت فيها، فعائلتي جاءت لهذه المنطقة سنة ١٩٨٥، وارتبطت بها كثيرًا، ودائمًا ما كنت ألحظ تغيرات بصرية كثيرة، خاصة بعد ثورة يناير. إذ تغير الشكل المعماري للمنطقة بسبب البناء العشوائي. لذلك أردت أن أحكي عن العجمي وأن أوثقها. لكن بعد ذلك توسعت فكرة المشروع وأردت توثيق الجزء الغربي للإسكندرية بأكمله بدءًا من القباري، ثم الورديان ومينا البصل والدخيلة والعجمي. كان ما يشغلني هو تعريف الناس بتلك المناطق.
تراث المدينة
بعد أن قررت رنا تنفيذ فكرة المشروع بدأت البحث عن وسيط نشر يناسب فكرة المشروع. حيث أرادت إلقاء الضوء على عدة نطاق منها تراث المكان سواء الأماكن التاريخية بالمدينة أو الآثار الغير معروفة هناك وغير المسجلة. توضح: أردت أن أظهر جماليات المكان، وتخيل شكل الحياة في الماضي. حيث عرف عن العجمي أنها كانت مصيفًا فبدأت أتخيل شكل الناس الذين ارتدوا على المكان. وأردت أن أتحدث عن حكايات عائلتي، خصوصًا عائلة والدتي والتي سكنت منطقة القباري. كانوا من أصول مغربية.
أردت أن أحكي كل هذا، من خلال وسيط نشر الجريدة هو الشكل المناسب الذي يمكن أن أخرج مشروعي النهائي من خلاله. مع ملاحظة أن الجريدة تحوي على أبواب داخلية، مما يمكنني من تقسيمها داخليًا لعدة موضوعات، بدلًا من حصرّها. لذلك أردت نقل صورة بصرية كاملة عن غرب المدينة، فبدأت أتعرف على وسيط نشر الجريدة سواء من خلال؛ مقاستها، أو إخراجها الفني، وأنواع الورق، واطلعت على جرائد محلية ودولية، وكذلك عملية تصميمها، وقد قسمت الجريدة لموضوعات شتى منها؛ المواصلات في المدينة، مثل الترام الأصفر الذي ظهر قديمًا بالماكس، وقد أتحت صفحتين من الجريدة وتحدثت خلالهم عن تراث المدينة وعن الشيخ أحمد العجمي، الذي يعد أحد تلامذة الشيخ المرسي أبو العباس والذي هو من أهم أعلام الإسكندرية وكانا كلاهما ينتميان للمغرب، وتحدثت كذلك عن طابية الدخيلة، التي للأسف لم تدرج في عداد الآثار الإسلامية حتى الآن، إذ تنتمي لعصر المماليك، وللأسف أصبحت الآن مكب للنفايات.
حكايات المكان
تستطرد رنا حديثها وتقول: بدأت أحكي عن شاطئ العجمي واستعنت بكتابات لأفراد من اليونان وعرب عاشوا بالعجمي، كذلك قمت بعمل لوحتين منفصلتين عن الجريدة لبائع سمك يبيع السردين باعتباره من أجود أنواع السردين بالإسكندرية. وفي لوحة أخرى رسمت رجل بدوي يتمشى بقدميه على شاطئ العجمي باعتبار أن البدو هم الشيء الوحيد الثابت حتى اليوم بالنسبة لسكانها.
ألحقت رنا بالجريدة بكتيب، ووضعت داخله كل شيء لم تستطع وضعه في الجريدة الرئيسية تحديدا الصر القديمة. توضح: استعنت بصور قديمة لعائلتي بطابية الدخيلة، وقمت بإعادة تلوينها. وبدأت أدرج حكايات عن المنطقة، مثلًا عمة أمي التي تزوجت رجلًا من خفر السواحل. وهو الأمر الذي جعلها تسكن الطابيات العسكرية، إذ إنها تنقلت بين العديد من الطابيات، حتى وصلت إلى طابية الدخيلة، التي اختلفت فيها شكل الحياة هناك. فدائمًا ما كنت أسمع العديد من الحكايات عن هذا الموقع من عائلتي لكني لم تتح لي الفرصة لتوثيقه، فالكتيب ساعدني في الأمر بصورة كبيرة.
اقرأ أيضا:
تعليق واحد