من مزرعة الحيوانات لـ«عزبة البهايم».. لماذا تثير ترجمة الأدب العالمي للعامية جدلا؟

انتقادات واسعة تعرضت لها رواية «عزبة البهايم» ترجمة النسخة المصرية لرواية «مزرعة الحيوانات»، للكاتب البريطاني جورج أورويل. حيث أثارت الرواية جدلا واسعا بمجرد إعلان مترجمها مجدي عبدالهادي قرب طرحها في مصر، ليتم اتهامه بتشويه المفهوم الأصلي للرواية وتغيير الرسالة التي يحملها النص الأصلي.

مزرعة الحيوانات.. نقد بشكل مجازي

تعتبر رواية مزرعة الحيوانات من الأعمال الأدبية الشهيرة التي تناولت النظام السياسي والسلطة في شكل مجازي. حيث يتم تصوير الحيوانات في المزرعة وهي تنقلب على سيطرة البشر وتنشئ نظامًا خاصًا بها. ويعتبر الكتاب رمزًا للتوجهات السياسية والاجتماعية.

ومع ذلك، أثارت الترجمة المصرية للرواية جدلا واسعا. حيث انتقد البعض تحوير المعاني والتلاعب بالنص الأصلي للرواية. وتصاعدت الانتقادات أيضًا حول جودة الترجمة نفسها. اتهمها البعض أنه طالما بالمصرية فسوف تتضمن أخطاء لغوية ستؤثر على تجربة القراءة وفهم النص. وتساءل البعض عن جودة الاختيارات المفرداتية والأسلوبية التي تم استخدامها في الترجمة.

الترجمة للعامية ومصير الفصحى

يرى المترجم محمد عثمان خليفة، أن الترجمة وسيلة مهمة لمعرفة الآخر وأفكاره ومشاعره. لكن على حد وصفه فإن ما يجري من تقديم “نسخ” عامية لأعمال أدبية وغير أدبية أجنبية ما هو إلا “تمصير” لترجمات تمت بالعربية الفصحى.

خلال مسيرة طويلة في ترجمة روائع الأدب العالمي باللغة الإنجليزية. لم يتطرق خليفة إلى طرح واحد منها بالعامية بشكل كامل. ويصف مترجم «السيمفونية البيضاء» أن الذي ينفذ الترجمة بالعامية يطلب شيئين. الانتشار اعتقادا منه بأن جمهور العامية أكثر من جمهور الفصحى. وهو أمر غير حقيقي بالمرة، لأن جمهور العامية مهما كثر فإنه محدود بإطار جغرافي معين. خاصة بعد تراجع تأثير العامية المصرية في العالم العربي لظروف عدة.

ويستكمل لـ”باب مصر”: “الأمر الثاني يعتقد أن العامية المصرية مختلفة عن الفصحى، وذلك خطأ. لأن معظم كلمات العامية المصرية هي كلمات عربية تحورت نطقا”. لكن في الحالتين، فإنه لا يمانع في “التجريب” لأن الحكم في النهاية يكون للقارئ، خاصة وأن الفصحى لن تضار من مثل هذا التجريب.

ويقول مترجم «كوزمولوجيا أفلاطون»: “لست مع الرأي القائل بخطورة التجريب بالعامية على مكانة العربية الفصحى”. فمن واقع تجربته الخاصة، لجئ إلى ترجمة الحوار بالعامية بين الشخصيات في ترجمته لأعمال أدبية روائية. وذلك لأنه وجد حينذاك أن هذه المقاربة هي الأصلح بالنظر إلى أجواء الرواية وظروفها وطبيعة شخصياتها.

ويضيف: “وإن كنت تعمدت ترجمة السرد ذاته بالفصحى حتى لا يختل العمل العربي الذي أقدمه عن الأصل الأجنبي”.

وهناك من يرى أن “التدوين” بالعامية، سواءً أكان تمصيرا أو كتابة أصيلة، بمثابة وثيقة تاريخية للطريقة التي تحدث بها الناس في عصر من العصور. ويرى أن الفيصل في كل الأحوال، وكما هو الحال في مقاربة أي عمل فني أو أدبي، هو تجاوب المتلقي من عدمه.

عزبة البهايم.. اسم كأنه سب

أثار عنوان “عزبة البهايم” حفيظة الكُتاب العرب، ومن بينهم الكاتبة والروائية العراقية زهراء حسن، التي عبرت عن رفضها لأي كتابة أدبية باللهجة العامية.

وقالت عن “عزبة البهايم”: “لدينا لغة جميلة، نقرأ ونكتب بها، لماذا تريدون سرقتها منا، مزرعة الحيوانات أجمل لأن عزبة البهايم لها تأثير السب على الأذن”. وبشكل شخصي فإنها لا تتخيل أن تكتب عمل أدبي باللهجة العراقية. بل تكون باللغة العربية الفصحى لتحقق انتشار أوسع وتحافظ على اللغة العربية الفصحى.

الكاتب والمترجم المصري مجدي عبدالهادي
الكاتب والمترجم المصري مجدي عبدالهادي
عزبة البهايم.. ترجمة أم تمصير؟

دافع المترجم والكاتب مجدي عبدالهادي، عن ترجمته لرائعة جورج أورويل وتقديمها بعنوان “عزبة البهايم”، بأنها ليست تمصير للنسخة الفصحى الموجودة. قائلا: “الترجمة الخاصة بي من النص الإنجليزي ولا علاقة لها على الإطلاق بالترجمة العربية”.

ويضيف خلال حواره مع “باب مصر”: “هناك كلمات يحتاج المترجم أن يفسرها لتصبح أكثر قربا للقارئ المصري. إنما في ترجمة عزبة البهايم فإنها ترجمة بالكامل من الإنجليزية إلى المصرية وليست تمصير”.

الترجمة للفصحى ليست بعيدة عن الكاتب المصري المقيم في أوروبا. إذ صدر له أعمال أدبية باللغة العربية الفصحى مثل “قص ولصق” ورواية “ظلي” عن اللغة السويدية وصادرة عن دار أزمنة بعمان.

تخرج واستكمل الدراسات العليا في الأدب الإنجليزي من جامعة ستوكهولم. لكنه يرى أن أي ترجمة بين لغتين يكون بها تمصير أو تعري، وهذه طبيعة الترجمة لأنها جسر بين ثقافتين، ضمن محاولات للتقريب بين عالم النص الأصلي وعالم الترجمة.

الكتابة بالمصرية في مرمى الهجوم

وقع اختيار عبدالهادي على رواية “مزرعة الحيوانات” باعتبارها واحدة من أهم وأشهر روايات الأدب العالمي. وقدمها بالمصرية لأنها نقد ساخر ولاذع للنظم السياسية الشمولية القائمة على الكذب. وهي القضية نفسها التي تناولها جورج أورويل في روايته الشهيرة “1984”.

ويقول: “هذا في حد ذاته له أهمية كبيرة في العالم اليوم لأن مجتمعات كثيرة تعاني من النظم الشمولية، وبدأت العمل على مشروع الترجمة منذ عام، لكن الترجمة استغرقت فعليا مدة تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة”.

هذا العمل الثاني الذي يثير الجدل للمترجم نفسه، بعد ترجمة رواية “العجوز والبحر”، رائعة الكاتب إرنست هيمنجواي العام الماضي والصادرة عن دار “هن” للنشر.

ويفسر هذا الجدل قائلا: “الجدل كان سببه طبقة المثقفين في مصر، لأنهم المهتمين بالأدب، وبالتالي لا نستطيع تعميم الهجوم على كل المصريين، ورفض البعض نابع من منطلقات أيديولوجية، مثل أن اللغة العربية أرقى من اللغة المصرية، وهذا في رأي تصور أيديولوجي لا علاقة له بالواقع وأختلف معه”.

أما السبب الآخر للهجوم هو هجوم بدون الإطلاع على الترجمة أو قراءة العمل كامل وتقيمه مثل ترجمة “عزبة البهايم” التي تعرضت للهجوم قبل طرحها، كما قال.

ويتابع: “الكتابة بالمصرية تنتشر وتشغل مساحات كبيرة في الإعلام، مثل لغة الإذاعة والتليفزيون عدا النشرات هي بالمصرية، والكتابة أيضا على الإنترنت أيضا بالمصرية، وبالتالي فإن استنكار الكتابة بالمصرية نابع عن مواقف أيديولوجية أو دينية، وأفكار خاطئة عن طبيعة اللغة وعلاقتها بالمجتمع والثقافة”.

تعرضت الرواية للهجوم قبل طرحها للجمهور في الأسواق، ويعلق عبدالهادي أن هذا الأمر لم يغضبه لأن الناس تصدر أحكام مسبقة قبل القراءة أو معرفة سبب الحكم، ويصفها أنها انفعالات أكثر منها آراء نقدية مؤثرة.

تبنى عبدالهادي الترجمة المصرية في أكثر من عمل سابق مثل رواية “الموت في الغربة” عن دار آفاق، و”لا النافية للجنس”، ويختتم حديثه: “هذه التعليقات لن تؤثر على قناعاتي بأن المصرية هي لغتنا القومية وأن المستقبل لها”.

اقرأ أيضا:

«عزالدين نجيب».. سيرة راعي الثقافة الثائر من وحي مذكراته

للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي:

Babmsr Newsletter

النشرة الإخبارية الشهرية
مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر