الفنان التشكيلي خالد هنو: ما أرسمه الآن سيتحول إلى تراث في المستقبل

إذا كنت تحب مشاهدة صور الإسكندرية ولوحات عنها فمن المؤكد أنه لفت نظرك لوحات «خالد هنو» الملونة الجميلة التي يختلط فيها انعكاس ضوء الشمس على البحر في العصر بألوان تاكسي الإسكندرية البرتقالي والأسود وحركة الناس في شوارع وسط البلد، أو طالعتك لوحة لقطار في محطة سيدي جابر القديمة قبل اختفائها والظلال تترامى حوله. وتسأل هل هو قطار يقترب من الإسكندرية أم يغادرها؟ كما كان يشبِّه نجيب محفوظ اقتراب الموت بوصول القطار إلى محطة سيدي جابر..

«هنو» فنان تشكيلي سكندري تخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، أصدرت له مكتبة الإسكندرية كتابا عن تجربته في لبنان بعنوان (لبنان بعيون سكندرية) ورسم العديد من أغلفة الكتب للهيئة العامة للكتاب. أقام العديد من المعارض وشارك في المعارض الجماعية بداية من عام 1990. أقام معرضا بأتيليه الإسكندرية لمقتنياته والتي ضمت عددا كبيرا من أعمال رواد الفن التشكيلي في مصر والعالم. لوحاته مقتناة ومعروضة لدى متحف الفن الحديث المصري ومتحف النيل بأسوان ووزارة الثقافة المصرية ومسرح سيد درويش والقنصلية العامة للبنان والتي تعد متحفا لمجموعة رائعة من أعماله.. لمعرفة المزيد عن حكايات لوحاته التي تؤرخ للإسكندرية كان لنا معه الحوار التالي.

متى كان أول معرض شارك فيه الفنان خالد هنو؟

أول معرض لي كان في قصر ثقافة الحرية، الذي تحول بعد ذلك لمركز إسكندرية للإبداع وكان في عام 1990.

هل كان أول معرض أثناء دراستك في الكلية أم بعد التخرج؟

كان أثناء الدراسة، ولم يحدث في تاريخ الكلية عمل معرض لطالب، وكنت في الفرقة الأولى، وكان معرضا خاصا منفردا وافتتحه د.محمد شاكر أستاذي وصديقي، هي تجربة مهمة واشتريت كل أعداد جريدة المساء التي كتب عني فيها صبحي الشاروني.

هل اهتمامك الأكبر من البداية هو البيئة في مصر والأماكن المصرية والبيئة المحلية؟

الاتجاه في الكلية كان التغريب والعولمة ويجب أن تواكب العصر والمودرن آرت والبوست مودرن آرت، أو الحداثة وما بعد الحداثة. لكن أنا كل اهتمامي كان ببيئتي أنا وأن أنظر حولي و(أشوف الدنيا) حولي ولا أنظر في الكتب الأجنبية فقط. من هنا كان انفرادي بفكرتي، وبدأت رسم مصر بشكل عام والصعيد وسيوة والعريش، تجولت في مصر شرقها وغربها وفي النهاية بدأت أوثق الإسكندرية.

اهتمامي بمصر كلها ولي أعمال عن الريف والقاهرة، ولي عملان تاريخيان: لوحة معركة رشيد وتم وضعها في متحف رشيد، ولوحة (سيد درويش يقود ثورة 1919). وهي لوحة عن تاريخ ثورة 1919 في الإسكندرية.

هل قاد فعلا سيد درويش المظاهرات في الإسكندرية في 1919 كما يظهر في اللوحة؟

لا، هي لوحة تخيلية عن ثورة 19 في الإسكندرية. شارك سيد درويش في الثورة بأغانيه مثل أغنية قوم يا مصري، وأغاني سيد درويش هي التي ألهمت الثورة. وأنا أتخيل هنا أن الثورة خرجت من الإسكندرية، وهذا حقيقي، وهو لم يسِر في المظاهرات لأنه كان يُحضِّر أغاني لعودة سعد زعلول من المنفى، الذي عاد في نفس يوم وفاة سيد درويش.

وفي اللوحة سيد درويش يمد يده لبيرم التونسي وبيرم يمسك يد بديع خيري، وبديع يشير إلى صورة سعد زغلول التي يرسمها محمود مختار الذي يلتقي مع عباس محمود العقاد الذي سار في الثورة في شبابه. وهنا تكتمل دائرة الإبداع بين الموسيقى والكلمة والفن التشكيلي والأدب.

متى بدأ اهتمامك بالرسم عن الإسكندرية؟

من البداية وأنا مهتم بالرسم عن الإسكندرية، ولي لوحات كثيرة في البدايات عن إسكندرية، لكن أصبح هناك تركيز أكبر منذ عام 2004 برسم الإسكندرية.

ما هي أول الأماكن التي بدأت رسمها في الإسكندرية؟

منطقة بحري من أول الأماكن التي بدأت برسمها، أثناء دراستي كنت أذهب إلى قلعة قايتباي وارسم أمام البحر.

هل تعتمد في رسمك للأماكن في الإسكندرية على المعايشة بالرسم في المكان الواقعي نفسه أم تعتمد على صور فوتوغرافية أم خيالك هو الذي له الدور الأكبر؟

أنا أذهب إلى المكان الذي أريد رسمه وأعايشه وأتلقى رائحته وارسم اسكتشات له. ثم أعود إلى الاستديو لأرسمه، لكني أضيف له لأني لو رسمت المكان مباشرة قد يفرض عليَّ وجوده، وأنا أريد أن أضيف له من خيالي. تستطيع ملاحظة ذلك في اللوحات؛ تلاحظ الحنين والذكريات عندما تلاحظ لوحة قطار سيدي جابر. فهو ليس مجرد قطار على محطة، لا.. بل تجد ظلالا وإضاءة تمنحك مزيدا من الحنين والشجن.

لوحات سيدي جابر وبسترودس ومقهى كريستال.. وهي أماكن لم تعد موجودة الآن.. هل رسمتها أثناء وجودها قبل أن يتم هدمها أو تغيير معالمها؟

مقهى نيو كريستال رسمته قبل هدمه، لكن مطعم بسترودس اعتمدت على صور، لكني عشت في كل تلك الأماكن قبل أن تُهدم، زرتها وأعرفها جيدا. ذكرياتها ما زالت في ذاكرتي.

إلى أي فترة زمنية في الإسكندرية تعود برسوماتك؟ هل فترة الشباب والجامعة مثلا؟هل نستطيع أن نقول إن اللوحات تعود إلى زمن معين تشير إليه وتفتقده؟

هناك لوحات تعود إلى الطفولة أيضا، وهناك لوحات تعود لزمن الشباب.

رسوماتك هي لوحات عن المكان، لكن إلى أي فترة زمنية من الإسكندرية.. أقصد هل هي تؤرخ لزمن معين في الإسكندرية؟

يجب أن ارسم ما عشته ورأيته وأنا أوثق إسكندرية التي أعرفها. الزمن الذي تغطيه اللوحات نستطيع أن نقول إنه يبدأ من السبعينات إلى سنوات الألفية الجديدة.

لكنها لا تهتم بالإسكندرية الكوزموبوليتانية في الثلاثينات والأربعينات؟

قليلا ما ارسم تلك الفترة.. نادرا ما أقوم بذلك؛ لأني لم أعش تلك الفترة ولم أرها.

أنا أحب لوحاتك عن إسكندرية الحديثة، وإذا كنا دائما نشير إلى صور قديمة للإسكندرية بالأبيض والأسود، فلوحاتك الملونة تبدو توثيقا فنيا حديثا للإسكندرية.. كأنها لوحة كبيرة للإسكندرية ملونة لكن بها حنين أيضا ومعاصرة.. ما تعليقك؟

سوف يأتي زمن ما في المستقبل ويكون ما أفعله الآن تراثا لذلك الوقت.

هل هناك من الفنانين السكندريين الذين رسموا الإسكندرية فنان ترى أنك تأثرت به؟

هناك الكثير من الفنانين السكندريين الذين رسموا الإسكندرية مثل محمود سعيد وسيف وانلي وحامد عويس وهو أستاذي المباشر لأنه درَّس لي، وهناك أيضا كامل مصطفى.

أنا أحب لوحات كامل مصطفى، فقد رسم أماكن قديمة في الإسكندرية كالعوايد، وكانت ريفًا أيامها، وأحب أسلوبه التأثيري كثيرا.. كيف ترى ذلك؟

هو رسم زمنه أيضا لكن كل الفنانين السكندريين الذين رسموا الإسكندرية لا تتعدى لوحاتهم عن الإسكندرية ثلاثين لوحة، لكن أنا لي 100 عمل عن الإسكندرية.

هل المدرسة الفنية التي تنتمي إليها في الرسم هي المدرسة الانطباعية؟

نعم، وهي نفس مدرسة كامل مصطفى، وليس سيف وانلي. محمود سعيد كان تعبيريا وحامد عويس كان تعبيريا، لكن هناك بعد رمزي في أعماله أيضا. وسيف وانلي كان يرسم بأكثر من أسلوب وليس بأسلوب واحد.

لكن إلى أي مدرسة تنتمي رسومات سيف وانلي عن الإسكندرية؟

التكعيبية.. رسم سيف وانلي لوحات عن الإسكندرية بأسلوب تكعيبي.

حامد عويس أستاذك المباشر.. لكنك لست من نفس مدرسته في الرسم!

لا،أنا لا ارسم إلا بأسلوب تأثيري أو انطباعي فقط.

هل توجد علاقة بين المكان أو طبيعته والمدرسة الفنية التي من الممكن أن يرسم بها الفنان ذلك المكان؟هل لوحات كامل مصطفى وخالد هنو مثلا المرسومة بأسلوب تأثيري أقرب إلى روح المدينة؟

هذا ليس صحيحا. المدرسة الفنية أقرب للفنان، ولها علاقة به ونتيجة ثقافته ووعيه واتجاهه الأيديولوجي، ولها ارتباط عاطفي أيضا، وليست مرتبطة بالمكان الذي يرسمه. فمن الممكن أن يرسم الفنان المكان بأي مدرسة أو أسلوب فني يريد.

هل صحيح أن معظم الأماكن التي رسمتها هي وسط البلد ولم ترسم أماكن شعبية كثيرة؟

لا لقد رسمت أماكن شعبية كثيرة كبحري وكوم الدكة وحلقة السمك، لكن ربما ما تهتم به هو وسط البلد أو حالتها أكثر. ورسمت بورتريهات لسكندريين كثيرين كسيد درويش وبيرم التونسي ومحمد ناجي ومحمود سعيد وسيف وانلي.

بالرغم من أن كامل مصطفى ربما أقرب إليك لأنه من نفس المدرسة الفنية، لكن هناك مقارنات بينك وبين محمود سعيد، وهذا ما فعلته رواية(موعود) للكاتبة ناهد بهجت؛ حيث قارنت بشكل خيالي بينك وبين محمود سعيد، وصدرت الرواية بصورة غلاف عليها صورتك وصورة محمود سعيد، ألا تخشى من المقارنة؟

لا، لا أخشى من تلك المقارنة. هو له طريقته وأنا لي طريقتي، والمقارنة كانت لصالحي. هو قيمة وقامة كبيرة جدا، لكن الأعمال موجودة وتستطيع أن تقارن. أقصد أن محمود سعيد ترتبط لوحاته تاريخيا بالإسكندرية القديمة وهو من هو! الناس لا تقدر الفنان إلا بعد موته.. سأحكي لك حكاية: “حامد عويس فنان مشهور وأعماله بالملايين، كان أستاذي، وشارك كلانا في أحد المعارض وكان عنوانه (تأثيريون وواقعيون). طلبت أن أشترى منه لوحة، وطلب ستة آلاف جنيه، قلت وقتها هذا مبلغ ضخم! لو كنت اشتريتها كانت الآن تساوي ملايين! لكن لأنه كان فقط قريبا مني ظننت أن ستة آلاف جنيه مبلغ مبالغ فيه”.

سألناه: في لوحاتك هناك حركة في الشارع.. حركة الناس والسيارات، لكن أحيانا نشعر أنها حركة لا تنتمي إلى فكرة التفاعل مع الحياة بقدر ما هي حركة شبحية، من الممكن أن تغادر أو تذهب إلى الماضي.. كلوحة الحنطور في شوارع وسط البلد في ظلام الليل؟

قال: لأ، في أحدث أعمالي عن الصيادين، وقد رسمت الصيادين كثيرا..(وعرض أمامي آخر لوحاته عن صيد الجرافة حيث يقف الصيادون على الشاطئ ويسحبون شبكة ضخمة كانوا رموها من قبل في البحر).

قلت: أمام مقهى كريستال في الصباح كانوا يصطادون باستخدام الجرافة!

قال لي: نعم، هناك أماكن أخرى يصطادون بنفس الطريقة عند السلسلة مثلا وبحري..

كانت لوحة ملونة عن الحياة والكد والتعب في الإسكندرية وليست عن الحنين..

هل الوقت في اللوحات أو معظمها هو الليل في الشتاء أكثر؟

لا بل العصر أكثر.. وهو ما يمنحني ظلالا.

اقرأ أيضا:

«أساطير شارع النبي دانيال».. ضمن فعاليات أيام التراث السكندري

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر