رحيل "الخواجة الرائع" المترجم دنيس جونسون ديفز
رحل اليوم عن عالمنا دنيس جونسون ديفز، عن عمر يناهز الـ 95 عاما، ليدفن فى تونس ذلك المكان الذى عشقه. هذا “الخواجة الرائع” أحب الألقاب إليه.
يتقدم اسم المترجم البريطاني دنيس جونسون ديفز ، الكندى المولد 1922، قائمة مترجمى الأدب العربي، حيث بدأ بترجمة مختارات من القصة القصيرة والرواية منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي فترجم قصة ” زعبلاوي” من مجموعة همس الجفون التى صدرت عام 1945 للعالمى نجيب محفوظ .
خلال محاضرة له فى المركز الثقافي الإعلامي للشيخ سلطان بن زايد، فى عام 2010 بعنوان “كيف أمكن ذلك” قال دنيس أتيت لدراسة اللغة العربية لأصبح بعد ذلك أحد رواد ترجمتها، مشيرا أن الصدف التي لعبت دروها في اختياره لدراسة اللغة العربية.
” كان ذلك بعد أن أخرجني والدي من المدرسة الداخلية وكان عمري حينها 14 سنة، وكنت أمتلك الرغبة بتعلم اللغة العربية، بعد معرفة بسيطة عنها، لأكتشف فيما بعد أنها لغة كلاسيكية، وقواعد النحو فيها معقدة بعض الشيء”
درس القانون وعمل محامياً لفترة ثم موظفاً في شركة بترول، بعد أن لم يشجعه أستاذه نيكلسون على دراسة اللغة العربية باعتبارها لغة ميتة كاللاتينية!، وأتاح عمله في القسم العربى بهيئة الإذاعة البريطانية فى الفترة من 1940-1945 التواصل مع الموظفين والموظفات العرب.
“التحقت في جامعة “كامبردج” لدراسة العربية، وبعد فترة كانت هيئة الإذاعة البريطانية الـ “بي بي سي” قد بدأت بثها العربي، ويبدو أنهم قد اتصلوا بالجامعة لمعرفة من يدرسون العربية، وكنت الوحيد فطلبوا مني الذهاب إلى لندن لإجراء مقابلة وظيفية. وأذكر أنهم أخذوني للأستوديو للاستماع لنشرة أخبار بالعربية لم أفهم منها ولا كلمة واحدة! فهل يعقل ذلك كيف تكون انجلترا بأمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس ولا يوجد أحد يتكلم العربية، ورغم ذلك، قُبلت وكانت البداية للعمل في الإذاعة”
وفى كتابه” ذكريات في الترجمة” الذى أصدره عام 2009 تحدث عن رحلته كبريطاني ولد في كندا ، وعاش فترة من طفولته في القاهرة ثم وادي حلفا بالسودان ثم تنقل بين أوغندا وكينيا، ولندن حيث درس في كمبردج .
وفي مصر كانت محطته الأولى في بلد عربي، ااتخذه فيما بعد مكانا لإقامته وقال عنها ديفيز: عشت فترة في “الزقازيق” وكانت الحياة هناك صعبة لكني تعلمت منها الكثير، وهناك اكتشفت أن شيئا جديدا يحدث في الأدب العربي، وهو كتابة القصة القصيرة، فاشتريت كل أعمال محمود تيمور، واخترت منها عشرين قصة وترجمتها ونشرتها على حسابي الخاص كوني لم أجد ناشرا يتكفل بها، وعندما رأها صديقي الانجليزي علق قائلا: القصص جميلة لكن ليس بالإنجليزية، فالإنجليزية لا تعبر عن الثقافة المصرية، فتعلمت أن الترجمة ليست كلمة مقابل كلمة بل يجب أن أحضر المعنى، على سبيل المثال عندما ترجمت مسرحية توفيق الحكيم، «السلطان الحائر» وفسر لي أحدهم بأنها اسم وصفة، ترجمتها بالانجليزية “حيرة السلطان” فهذا يتناسب مع الأدب والثقافة الانجليزية
كان يرى أن اللغة العربية لغة صعبة جدا وهو ما يجعلها محدودة الانتشار في العالم، ولهذا فمن يريد تعلم لغة أخرى لا يختار العربية بل الإنجليزية على سبيل المثال كونها أسهل،وكان “الخواجة الرائع” يقرأ ويفهم العربية بإمتياز، فقد ترجم 38 رواية عربية، وترجم قصص كتبت بالعامية المصرية .
درَّس في جامعة الملك فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، وعمل مترجماً في المجلس الثقافي البريطاني بالقاهرة، وعاش في إحدى قرى الصعيد ، فعايش الثقافة المصرية في عاداتها وتقاليدها.
انتقل للسكن فى حي السكاكيني أشهر الأحياء الشعبية في القاهرة، ونتيجة لقراءات وعلاقات وحضور ندوات ومحاضرات أدبية مع مثقفين المصريين، ترجم مجموعة من القصص وأصدرها في كتابه الأول: “أقاصيص من الحياة المصرية” لمحمود تيمور، وكتب له المقدمة عبد الرحمن عزام أمين جامعة الدول العربية آنذاك.
ترك القاهرة عام 1949، وانتقل إلى بغداد فتعرف على مثقفين عرب آخرين، ووقتها ترجم قنديل أم هاشم ليحيى حقي. فى نهاية الستينات عمل مترجما فى قطر، وأسس وأدار مكتب إذاعة الـ بى بى سى فى الإمارات. !
انتقل للعيش في بيروت بين عام 1970-1974، وترجم رواية “زقاق المدق” لنجيب محفوظ وقصص أخرى له، وترجم معظم أعمال توفيق الحكيم الروائية والمسرحية.
منذ سنوات طويلة وجد المترجم العالمى دينيس جونسون ديفيز، ضالته فى السكن فى قرية تونس بالفيوم ، وكان من أوائل الأجانب الذين استقروا فى القرية ، حيث بنا بيتاً له يسكنه مع زوجته، لكنه كان يحضر إليه فى فصل الشتاء فقط، بعد أن أكمل ترجمات جديدة مشتركة مع عز الدين إبراهيم من متون الكتب الإسلامية، مثل: مختارات من صحيح البخاري ومسلم (مجموعة من الأحاديث القدسية)، ومختصر الكلم الطيب لابن تيمية، ومختارات من فصول إحياء علوم الدين للغزالي.، أشهر إسلامه وسمى نفسه عبد الودود .