«حي الخليفة»: حكايات من قلب أضرحة آل البيت

منطقة الخليفة تعتبر حي من أحياء جنوب القاهرة، يطلق عليه شارع وحي في نفس الوقت، وتعود تسميته لعدد من الروايات منها الخليفة المعز الفاطمي، ما إن تنتهي صلاة فجر كل يوم، إلا وتنبعث روائح البخور العطرة من أمام المقامات والأضرحة المنتشرة بالشارع، في مشهد روحاني يحبه أهالي الخليفة.. “باب مصر” يلتقي بساكنيه.

شارع الخليفة

يبدأ شارع الخليفة من ميدان السيدة نفيسة ويمتد حتى يلتقي في آخره ثلاثة شوارع أخرى وهي: طولون والرقيبة ودرب الحصر، ويمتد شارع الخليفة طولا ولا يحتمل عرضه مرور سوى سيارة واحدة، إذ تتراص البيوت القديمة ذات الارتفاع المنخفض بامتداد الشارع وتتفرع منه الحارات والأزقة، كما تنتشر محال المأكولات والمقاهي والأفران في الشارع.

يقف على ناصية الشارع العم محمد، ويعمل على عربة فول وطعمية، إذ تخطى عمرها الـ90 عاما، فهي مهنته التي توارثها من عائلته “الغوايشية” أقدم عائلات المنطقة، ويحكي لـ”باب مصر”، ويقول: “الشارع هنا اتسمي بأكثر من اسم أولهم شارع الخليفة ثم شارع الأشراف نسبة إلى الأضرحة وأولياء الله الصالحين الموجودين في الشارع كله، وكان في ناس مشهورة منهم الفنان نور الشريف، ابن حارة درب المسدود بالشارع”.

وتابع: “أبويا كان بيحكي دايما حكاية عم علي، كان ليه عمل بطولي أيام الإنجليز، وضع مدفع في مدخنة المطعم اللي كان شغال فيه عشان يحاربهم ومات برصاصهم، وصلوا عليه في جامع أحمد بن طولون، وكان حاضر الزعيم مصطفى كامل”.

ساكنة باشا

على بعد 5 أمتار من الشارع منزل قديم تجذب شرفته الخشبية المارة، فهي مبنية على طراز يختلف عن بقية المنازل المجاورة، يقول العم محمد عنه: “ده بيت ساكنة باشا، مطربة الخديوي إسماعيل، كان يأتي كل يوم لزيارتها، تقف ركوبة الخديوي أول الشارع هنا بجوار عربيتي ويذهب هو لمنزلها مشي”.

تقول مايسا مصطفى، مرشدة سياحية وحكاءة، عن منزل ساكنة باشا: ساكنة أول مطربة من العصر المملوكي ذات صوت رائع وجميل، ارتبط بها المصريين كثيرًا، ولدت في الإسكندرية عام 1801، أرمينية الأصل، ومن أجل الشهرة جاءت إلى مصر في عهد محمد على، ومن جمال صوتها استطاعت أن تصل إلى الغناء أمام الملوك حتى سميت بمطربة الملوك، فيذكر أنه من تاريخها غنت لجميع أولاد إبراهيم باشا ابن محمد على في أفراحهم.

وتابعت مصطفى: أحبها المصريين كثيرًا، وكان منهم الخديوي سعيد الذي كان يحضر لها جميع الحفلات، ومن بعدها أعجب بصوتها الخديوي إسماعيل وكان يناديها بـ”ساكنة هانم”، ثم منحها لقب البهوية، لتصبح “ساكنة بيه” ثم عرفت بعد ذلك بـ”ساكنة باشا”.

“زوار الست” هكذا يصف جزار المنطقة المترددين على مقام السيدة سكينة ابنة الإمام الحسين حيث مسجدها هنا، أما “زوار السيدة” فيقصد بهم زوار مقام السيدة نفيسة رضي الله عنها، حيث مسجد سيدي محمد الأنوار عن السيدة نفيسة، وجميعهم بجوار منزل ساكنة باشا.

ويصف بندق أحمد، 60 عاما، جزار المنطقة، مولد السيدة سكينة، فيقول: من أقوى وأهم الموالد التي تقام في مصر بعد مولد السيدة زينب، وكانت تأتي زفة المولد من الجمالية بحوالي 20 عربية ويطوف حولهم الطبل البلدي، وربابة وأنواع الألعاب المختلفة، وصانعي الأكل وحرف الأطفال كصناع المراكب من قصاصات الورق.

السيدة رقية

وهناك ضريح السيدة رقية وبجوارها مقام السيدة عكا والجعفري، والضريح هنا يأتي كقبة فقط وليس مقبرة، لأنه في الأساس هو مشهد السيدة رقية، والمشهد والرؤية تعنى أن مؤسس المقام شاهد رؤية يأتي فيها صاحب المقام، وهو يكون عادة الوالي أو أحد آل البيت يشير إلى مكان معين لبناء مقام له في هذه المكان.

ويحتوي مشهد السيدة رقية حفيدة الرسول صلي الله عليه وسلم، على 5 محاريب، جصية من أجمل المحارب الفاطمية، منهم اثنين خارج الضريح والباقي داخله، ومنهم أكبر محراب جصي يصل ارتفاعه 6 أمتار وعرضه 3 أمتار.

شجر الدر

أما قبة شجر الدر، فهي بناء مكتوب عليه من الداخل “عصمت الدين والدنيا أم الخليل المستعصية”، إذ أنها السيدة الوحيدة التي حكمت مصر في عصر الدولة الإسلامية، وكانت إحدى جواري الصالح نجم الدين أيوب وزوجته وأم والده خليل، اختارت شجر الدر ألا تُدفن في القصبة – شارع المعز حاليًا – بجوار زوجها، وفضلت موقعًا بشارع المشاهد بجوار سيدات آل البيت.

تقول مي الإبراشي، مديرة جمعية “مجاورة” التي تعني بترميم المناطق الأثرية ومنها حي الخليفة: إن العبارة المدونة على قبة شجر الدر من تنفيذ الجمعية، وقبة شجر الدر إحدى القباب والأضرحة التي رممت خلال مشروع الأثر لنا، الذي أطلقته الجمعية لترميم منطقة الخليفة، لأنها منطقة ذات أهمية دينية ولما تحويه من مباني أثرية هامة كجامع أحمد بن طولون وقبة شجرة الدر والجعفري وعكا، ومباني آل البيت.

ويشير سيد الدحلوبي، 61 عاما، صاحب ورشة تشكيل معادن، إلى أن القبة شهدت تطويرا وأهمية بعد الترميم، فبعد أن كانت مهجورة ومهملة أصبحت مزارا سياحيا يأتي إليها الأجانب للتعرف عليها وعلى حكاية شجر الدر.

أما عن الشارع، فيوضح الدحلوبي: مزار سياحي ديني مفتوح لا يقل أهمية وقيمة عن الحسين وشارع المعز، ويضم عدد كبير من المقامات والأضرحة، بالإضافة إلى وجود أندر الحرفيين الذين يمارسون حرف أجدادهم إلى الآن.

روايات الخليفة

“إحنا جيران الأولياء هنحتاج إيه تاني”، هكذا يتحدث، مصطفى إسماعيل، 69 عاما، عن منطقة الخليفة، ويقول: يعيش أهالي الشارع وسط أكبر الأضرحة وأولياء الله الصالحين، والناس هنا كلها طيبة وروحهم جميلة وأخلاقهم حسنة، كأنها مستمدة من صفات آل البيت أو لحبهم الشديد وتعلقهم بهم، فالجميع هنا يحترم الأضرحة ويقدرها.

تذكر مايسا مصطفى، مرشدة سياحية وحكاءة، أن منطقة الخليفة حي من أحياء جنوب القاهرة وهو حي وشارع في نفس الوقت، وسمى باسم الخليفة لعدد من الروايات فالمصادر التاريخية ترجع منطقة الخليفة إلى الخليفة المعز الفاطمي، الذي أسس القاهرة في القرن العاشر، ولها مدلول آخر بأنه يوجد في المنطقة مقابر الخلفاء العباسين، ومقرهم كان بغداد وكان هناك نواب لهم، ففي العصر المملوكي جاء 17 خليفة من الدولة العباسية إلى المنطقة.

وتقول مصطفى: الخليفة حي له مسميات عديدة جدا من أهمها شارع مجمع أولياء الله الصالحين، حيث يوجد مقامات آل البيت، وشارع الأشراف، وشارع المشاهد وبقيع مصر، لأن هناك تجمعيه لمقابر ومشاهد آل البيت كالسيدة نفسية وساكنة ورقية وعكا والجعفري وابن سيرين وسيدي محمد الأنوار.

اقرأ ايضا

صور| “حكايات تاريخية برواية عصرية” جولات جمعية مجاورة في منطقة الخليفة

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر