حوار| مؤلفة رواية “روفان”: أعتبر نفسى النسخة الأصلية للإصرار

استطاعت المرأة الصعيدية خلال السنوات الأخيرة، اختراق بعض المجالات التي كانت تمثل مناطق محرمة وصادمة للعادات والتقاليد المجتمعية، فأثبتت فيها جدارتها وموهبتها.

ومن بين هؤلاء ظهرت ليلة محمد فاوي أو ليلة فاوي كما عُرفت في الوسط الثقافي، صاحبة رواية “روفان”، وهي كاتبة عشرينية من قرية القصر شمالي قنا بمدينة نجع حمادي، واجهت الكثير من التحديات رغم صغر سنها منها الحرمان من التعليم، حتى وصلت لتأليف الكتب، وكان لـ”باب مصر” الحوار التالي معها.

الكاتبة ليلة الفاوي - أمدتنا بالصور الكاتبة
الكاتبة ليلة الفاوي – أمدتنا بالصور الكاتبة

منذ متى راودك حلم الكتابة؟

كنت في الصف الخامس الابتدائي حينها، وكان رئيس اللجنة في الامتحانات يقف متتبعًا كتابتي لموضوع التعبير الذي كان عن التعليم، كتبت صفحة كاملة، طويت الصفحة كتابة إجابة السؤال الثاني، استوقفني وطلب أن أترك صفحة أخرى من أجل أن أكمل فيها التعبير، وقال لي “لسه عندك كلام كتير أنا واثق تقدري تكملي”، حينها كتبت في التعبير 3 صفحات، وهو يراقبني متتبع كل كلمة اكتبها بترقب وقال لي أمام الجميع “إنتي شاطرة جدًا”.

وبعد الوقت المحدد للامتحان أعطاني بسكويت وعصير وقدمني لزملائه من المراقبين المهتمين بالكاتبة، ومن يومها أظن بدأت أثق في الفكرة، و أنه من الممكن أن أصبح  كاتبة ذات يوم، وبدأت اكتب علي سبيل المحافظة علي التقدير الذي منحني إياه المراقب أو عابر السبيل كما أعتبره، والذي مازلت أتمنى لقائه مرة ثانية.

فتشجيعه يومها كان شهادة لا يمكن نسيانها، أول قصة كتبتها في المرحلة الإعدادية عن فلسطين ومن بعدها بدأت اكتب خواطر وقصص عن أحلام البنات في الصعيد وكيف يقدرن على الوصول للعاصمة، وكان حلمي ومازال الوصول للعاصمة وأن أرى مبنى الإذاعة والتلفزيون وأعمل في إعداد البرامج.

كيف كانت النقلة من محور دراستك السابقة “دبلوم التجارة”؟

كتب الثقافة العامة كانت هي النقلة الحقيقية، كنت أتعلم من كل كتاب شئ، لم أكمل ثانوية عامة رغم إصراري واستعدادي للمرحلة حينها، خاصة وأن ترتيبي الأول على مدرستي في قرية القصر، فوجئت برفض أهلي استكمال المرحلة الثانوية العامة مختارين لي الثانوي التجاري، وهو القرار الذي غير حياتي تماما.

ودخلت الثانوية التجارية، ولكني اعتكفت وانعزلت عن الجميع دون الكاتبة، فهي كانت وسيلة التعبير عما بداخلي، كتبت قصص وكان أبطالها أصحابي وأهديتها لهم، والجزء الثاني من وقتي أقضيه في المكتبة المدرسية التي عن طريقها تعرفت على إحسان عبدالقدوس، وكبار الكتاب.

وقبلها كنت اقرأ لنبيل فاروق وكتاب آخرين، وأي كتاب أيًا كان كاتبه، جعلتني اكتشف أني ممكن أطور من كتابتي، وأن تكون ممارسة جدية ليست مجرد هواية، وتمسكت بحلمي.

هل تعرضتي للتنمر؟

في أثناء عملي في مشروعي لتأهيل الأطفال ومحو أمية الكبار، كان البعض يسخرون من كوني أعلم ولم استطع استكمال تعليمي، والبعض الآخر يقلل من حجم موهبتي ككاتبة أو بحلمي أن أصبح كاتبة ذات يوم، ولكني استطعت الالتحاق بكلية الآداب قسم تاريخ، وترتيبي الثانية على الدفعة، ومازلت أعمل فى الحانة لتطبيق ما يؤمن به قلبي، حتى أصبح من سخروا مني يطلبون مني تعليم أطفالهم.

وقبلها أيضًا أتذكر أمي “علشان تراضيني بعد قرار حرماني من دخول الثانوية العامة بشراء ملابس جديدة لي، لكن تعرضت للتنمر في أول يوم مدرسة في الثانوية التجارية من قبل زملائي، رغم تفوقي عليهم، رميت الشنطة والحزاء في الشارع وروحت”.

أهلي كان عندهم فكرة التعليم للبنت هو مجرد كسر للعادات، وأن البنت “ملهاش غير بيتها”، ومن الجانب الآخر أخي كان في الفرقة الأولى بكلية الهندسة حينها، ودخولي الثانوية العامة كان سيصبح حمل زائد على الأسرة، برغم أني عرضت الاعتماد على نفسي بعيدا عن الدروس الخصوصية.

الكاتبة ليلة الفاوي ومشاركتها في معرض الكتاب أمدتنا بالصور الكاتبة
الكاتبة ليلة الفاوي ومشاركتها في معرض الكتاب – أمدتنا بالصور الكاتبة

الحرمان من التعليم أمر قاسي.. حدثيني عما جرى معك؟

الأمر كان قاسيا جدا جدا، خاصة لو كان هو الحلم الذي تبنى عليه كل أهدافك، وكنت مقتنعة أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة التى أملكها، والسبيل للجامعة وفرص الكتابة للأفضل، اجتهدت في دراستي متعمده الحصول على درجات عالية لعله يكون سبب قوي يقنع أهلي الالتحاق بالجامعة، لكن صدمت  للمرة الثانية بالرفض مرة أخرى، خاصة أنهم استطاعوا إقناعي بالخطبة لشخص ما، وبعد مرور عام أنهيت خطبتي، وكان موعد التقديم للجامعة مر هو أيضًا.

كيف قضيتي سنوات حرمانك الأربعة من التعليم؟

بعد أن أصبح حلم الالتحاق بالجامعة مهدد كان الحل في الجامعة المفتوحة، وشرطها مرور 5 سنوات على الحصول على الدبلوم، شعرت باليأس للحظات، ولكن قررت استثمار الوقت المتاح أمامي فعملت على تعليم المتأخرين دراسيا.

من هنا بدأت فكرة التأهيل وانتقلت للأطفال قبل المدرسة والعمل على تأهيلهم دراسيا بالكامل، وصلت لتأهيل أكثر من 200 طفلًا، بعد مرور الخمسة أعوام ونجاح مشروعي، وامتلاكي لمبلغ مبدئي نتاج عملي أكملت الجامعة ونجحت، وألتحق بكلية الآداب قسم التاريخ.

ماذا عن رواية “روفان”؟ وكيف تصنفين نفسك ككاتبة؟

أؤمن بأن لى خطي الخاص ربما لم يكتمل بعد، لأني بدأت من الصفر وحاولت كثيرًا لدرجة أنني تعرضت لعمليات نصب عندما أردت نشر روايتي “روفان”، فأخذ أحد المحامين مني مبلغًا ماليًا والرواية دون جدوى، لم أكن أعلم من أين أسعى لتخرج “روفان” للنور، حتى الجامعة المفتوحة لم يكن لنا كباقي الطلاب في الجامعات النظامية فرص الالتحاق بمسابقات، رغم مداومتي على الحضور بانتظام.

لكن كتبت كثيرًا عن قضايا الأسرى والاحتلال في راوية “بنك الأسرى وأطفال الحروب”، كل موضوع برواية وفكرة لطرح قضية، وعلى الجانب الآخر لدي “روفان” التي طرحت منها الطبعة الأولى عام 2018، و”روفان” من نشر دار السعيد للنشر والتوزيع، بالإضافة إلى رواية “سجن دافئ” تحت الطباعة، والتي ستشارك بمعرض الكتاب 2020، وتتحدث عن مسألة التسرع بالزواج ووضع قانون يقنن هذه المسألة، وجاري معالجة بعض روايات مثل إضافة صديق، ودعوة للغروب، وقلب في كلب للنشر ورقي.

الكاتبة ليلة الفاوي أمدتنا بالصور الكاتبة
الكاتبة ليلة الفاوي أثناء تعليمها الأطفال – أمدتنا بالصور الكاتبة

ما هي أكثر الإنجازات التي تفخرين بها؟

أعتبر نفسي النسخه الأصلية للإصرار، ففي الوقت الذي كان الجميع في سباق وتوقف أنا لم أتوقف برغم العقبات الكثيرة، وأعتبر تعليمي لأطفال قريتي شئ من تصرف الأسوياء لأنه أتى في وقت تخلي معلميني عني وكل من حولي ورأوا أن مسألة التحاقي بالثانوية العامه فشل.

ماذا عن حكاية شراء “الكفن”؟

كنت رضيعة وأصبت بحمى شوكية بالمخ، وقتها توفي كل الأطفال المصابون ومن عاش فقد حاستي السمع والتحدث، أمي ذهبت لمسجد القرية، وفي لحظات تجلي مع الله قالت “يا رب لتاخدها لا متذلهاش”، ونذرت نذرا وفيته أنا بالفعل حين كبرت، ولكن طوال السنوات الماضية اعتقدت أنها تبالغ في سرد قصة نجاتي من الموت، حتى صادفت من فتره قريبة امرأتان عجوزان يسألوني “أنتي اللي اشترولك الكفن”، وعرفت منهم أن بعد ما عاودت من المستشفى فقدت أمي الأمل واشترت لي الكفن، لكن يشاء الله بأني على قيد الحياة.

كيف تثبت الفتاة الصعيدية جدارتها في مجتمع متحفظ؟

في رأيي الأهل هم الداعم الأساسي، ثم تأتي النفس، لأن الأهل يختصروا الطريق على الفتاة، لكن من خلال تجرتي لو لم يكن هناك أهل داعمين، سيكون مصير البنت صعب، وحينها لابد أن تتسلح بالتعليم قبل أي شئ، فبدونه لن تكون لديها حصيله لنفسها أولًا ولمن حولها ثانيًا.

وأنها تقاوم وتنحت الجبال من أجل الحصول على حقها في التعليم، بشكل موجز “تقلب الدنيا ومتفرطش في ثواني بتضيع من عمرها تستغل كل ثانية في إثبات حريتها، تكمل هى مش أسيرة حد والتعليم مش عار ولا شئ مخجل”.

أؤمن بأن التعليم لا يرتيط بالعمل أكثر من الفهم وإدراك الحياة ومسائلها ومستقبل أفضل للأطفال في التربية والنشأه والعون، لكنه ركن أساسي وقاعدة أولية.

غلاف رواية "روفان" للكاتبة ليلة الفاوي - أمدتنا بالصورة الكاتبة
غلاف رواية “روفان” للكاتبة ليلة الفاوي – أمدتنا بالصورة الكاتبة

ماذا عن مشاريعك وأحلامك القادمة؟ 

إنشاء مركز تأهيل للأطفال، الطفل قبل سن المدرسة يجب أن يفهم ويعرف كل الأساسيات السلوكية والتعليمية المؤهلة لدخوله مرحلة المدرسة، وأحاول العمل على حلمي في إني أكون كاتبة مختلفة، وعلى الصعيد الشخصي أن يكون في حياتى شخص يجعل من حياة أبنائي حياة سهلة بدون عقبات “الفارس والأب”.

كلمة أخيرة توجهيها لكل فتاة تحلم بالاحتراف في أي مجال؟

أتمني كل بنت ترفض مقولة “هنأخد إيه من الشهادة والبنت مالهاش إلا بيت جوزها”، فمراحل الحياة مستمرة والزواج قادم، ولكن الفكرة في أنه كيف سيكون؟، ومن ستختاره زوج تناسبيه ويناسبك بأفكارك وعلمك، والأمر ليس شهادة بقدر ما هو إدراك وإتساع ، ومن أجل تخطي البحر الصعب تحتاج إلى مجاديف ومركب.

اقرأ أيضا

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر