أنتجها باحثان برازيليان.. «باب مصر» تحقق في دراسة إعادة بناء وجه إنسان «نزلة خاطر 2»

الدراسة نشرت على مجلة علمية مجهولة عمرها 3 سنوات.. وأحد الباحثين هو رئيس تحريرها ومالكها!

اهتمت مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية خلال الأيام الماضية، بخبر قيام باحثين برازيليين بإعادة بناء وجه الهيكل العظمي المعروف باسم إنسان «نزلة خاطر 2»، الذي عثر عليه في مصر عام 1980 بمحافظة سوهاج. ويعد واحد من أقدم الهياكل المكتملة التي عثر عليها في إفريقيا حتى الآن. ويرجع تاريخه إلى ما يزيد على 34 ألف عام.

ولكن كان من اللافت، أن تغطية الخبر الذي نشر بأكثر من 28 لغة حول العالم اكتفت بعرض ما ورد في الدراسة، ونقل تصريحات الباحثين الذين شاركا فيها. دون أي نقد أو تحليل لها ولمدى التزامها بالمنهج العلمي في عملها ومدى دقة ما توصلت إليه من نتائج، وتعاملت التغطيات مع النتائج وكأنها أمر مقطوع بصحته!

وذلك على الرغم من علامات الاستفهام التي أحاطت بالدراسة وما أثارته من جدل. مثل غموض الدورية العلمية التي قيل أن الدراسة نشرت فيها. وكذلك قيام الباحثين بتنفيذ هذه الدراسة بشكل فردي دون إشراف أو متابعة من أي جهة بحثية أو أكاديمية معتبرة. إضافة إلى احتوائها على معلومات ثبت عدم دقتها، هذا بخلاف رفض كثير من المصريين على الشبكات الاجتماعية -بينهم علماء وباحثون في علم المصريات- لنتائج الدراسة وما عرضته من صور. بخلاف موقف وزارة السياحة والآثار المصرية التي اعتبرت أن الباحثين لم يتخذا الإجراءات العلمية والإدارية والقانونية الصحيحة والمتعارف عليها دوليا في مجال البحث العلمي عند قيامهما بهذه الدراسة.

نشرت الدراسة بأكثر من 28 لغة حول العالم خلال أسبوعين
نشرت الدراسة بأكثر من 28 لغة حول العالم خلال أسبوعين
هيكل عظمي عمره 35 ألف عام

يعد الهيكل العظمي لإنسان (نزلة خاطر 2)، واحدا من أقدم الهياكل البشرية المكتشفة في مصر حتى الآن. حيث عثرت عليه بعثة جامعة لوفن البلجيكية العلمية التي كانت تعمل في قرية نزلة خاطر بسوهاج عام 1980، في أحد مواقع التعدين التي يرجع تاريخها إلى العصر الحجري القديم الأعلى.

وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على الهيكل، أنه يرجع لذكر بالغ، يتراوح عمره عند وفاته بين 17 و29 عاما، وطوله بين 161 إلى 165 سم. كما أظهرت أنه كان يعاني من مشاكل في العمود الفقري، يعتقد أنها كانت بسبب عمله في التعدين بشكل مكثف، بحسب دراسة للباحثة بجامعة بوردو الفرنسية، إيزابيل كريفكور.

وبحسب وسائل الإعلام المصرية، فقد نقل الهيكل عقب اكتشافه في العام ذاته، إلى بلجيكا لترميمه وتجميع عظامه. وإجراء الدراسات العلمية عليه لمعرفة عمره والاستفادة منه في فهم التطور البشري للإنسان الذي عاش في مصر خلال تلك الفترة.

وبحسب تصريحات لمسؤولين مصريين في عام 2015، طالبت مصر باستعادة الهيكل من إدارة جامعة لوفن البلجيكية بعدما تأكدت من قدم عمر الهيكل بناء على عمليات التأريخ الجديدة. حيث استجابت الجامعة للطلب نظرا للأهمية التاريخية للهيكل. وبالفعل وصل هيكل إنسان (نزلة خاطر 2) إلى مصر في العام ذاته، وعرض لأول مرة داخل قاعات المتحف القومي للحضارة المصرية في إبريل من عام 2021.

الهيكل العظمي لإنسان نزلة خاطر 2
الهيكل العظمي لإنسان نزلة خاطر 2
مجلة (Live Science) الأمريكية

كانت اللحظة الفارقة في انتشار أخبار الدراسة التي قام بها الباحثان البرازيليان، عالم الآثار مواسير سانتوس والمصمم سيسيرو مورايس، هو قيام مجلة (Live Science) العلمية الأمريكية بنشر خبر عن الدراسة، لتتلقفه منها مختلف الصحف ووكالات الأنباء العالمية.

المجلة قالت في تغطيتها، إن الباحثين استعانا بتقنية (المسح التصويري) لتشكيل صورة تقريبية لوجه إنسان (نزلة خاطر 2) من خلال التقاط صور رقمية وتجميعها. حيث نجحا في ابتكار نموذجين افتراضيين ثلاثي الأبعاد لوجهه. الأول عبارة عن صورة بالأبيض والأسود وعيناه مغمضتان في حالة محايدة. والثانية نموذج فني أكثر لشاب بشعر أشعث داكن ولحية قصيرة.

ونقلت المجلة عن مورايس قوله: “إن الناس يعتقدون بأن عمليات تقريب الوجه تعطي نتائج دقيقة بنسبة 100% كما يحدث في أفلام هوليوود. ولكن في الواقع فإن الأمر ليس كذلك، فما نقوم به هو تقريب لما يمكن أن يكون عليه الوجه. ومع الاستعانة بالبيانات المتاحة، فإن النتيجة تكون تصور بسيط عما كان عليه الشكل. ولكن مع ذلك، من المهم إضفاء الطابع الإنساني على وجه الفرد عند العمل مع الشخصيات التاريخية. لأنه من خلال استكمال الشكل بإضافة الشعر والألوان، سيكون تفاعل الجمهور أكبر مع النتيجة، مما يثير الاهتمام والرغبة لدى البعض لدراسة الموضوع بشكل أكبر، أو الاهتمام بعلم الآثار أو التاريخ ككل”.

واختتمت بقولها إن الباحثين يأملان أن تساهم دراستهما وما توصلا إليه من نتائج بشأن إنسان (نزلة خاطر 2) في مساعدة العلماء على فهم أفضل لكيفية تطور البشر بمرور الوقت.

 علامات استفهام كبيرة

كان من اللافت، أن هذه الدراسة حملت علامات استفهام كبيرة، لم تفسرها أي من التغطيات الإخبارية التي تناولتها، كان أبرزها غموض الدورية العلمية التي قيل إن الدراسة نشرت بها، والتي من المفترض أن تكسبها المصداقية وتضفي عليها السلامة العلمية.

فقد قالت بعض المواقع ومن بينها موقع شبكة CNN الأمريكية، إن الدراسة نشرت في مجلة برازيلية تحمل اسم OrtogOnline. وبالبحث عن هذه المجلة، لم نجد لها تاريخا واضحا ولا ذكرا لما نشرته سابقا من دراسات، وكأنها غير معروفة على الإطلاق، وباستمرار البحث، وجدنا موقعا يحمل نفس الاسم: ortogonline.com. إلا أنه لا يقود إلى أي شيء، بل يحيل إلى صفحة الشركة التقنية التي تستضيف الموقع، حيث تشير إلى أن الموقع لا يزال “تحت الإنشاء”.

أما على الشبكات الاجتماعية، فلم نجد سوى صفحة على “فيسبوك” ناطقة بالبرتغالية -اللغة الرسمية في البرازيل- تحمل اسم OrtogOnline للتطوير المهني والاستشارات. ولكنها شبه مهجورة ولم تحدث منذ يونيو 2020، ولا يظهر عليها أنها مجلة علمية من قريب أو بعيد. وآخر بوست نشرته خاص بخبر عن سيسيرو مورايس، الباحث الرئيسي في الدراسة.

أما مجلة (Live Science) فلم تشر إلى اسم الجهة العلمية التي صدرت عنها الدراسة. بل اكتفت بالقول إن “الدراسة نشرت” في مارس الماضي بصيغة المجهول، واكتفت بوضع رابط يحيل إلى نص للدراسة منشور على صفحة مرتبطة بموقع جوجل للترجمة، لترجمة الدراسة من البرتغالية إلى الإنجليزية. ومن خلال هذه الصفحة لم نتوصل إلى أي مصدر أساسي للدراسة!

وعندما حاولنا البحث بعنوان الدراسة نفسها، لم نجدها في أي مجلة أو موقع علمي محكّم. وكان أقصى ما عثرنا عليه، وجود نسخة منها على موقع “ResearchGate”، وهو ليس دورية علمية، بل شبكة اجتماعية موجهة للباحثين العلميين. ويمكن لأي باحث إنشاء حساب عليه ورفع ملفاته باعتبارها محتوى علمي. أي أن النشر عليها ليس معيارا للحكم على سلامة أو دقة ما تحويه من دراسات وأبحاث.

مزيد من علامات الاستفهام!

أما عن الباحثين الذين قاما بالدراسة، فقد لاحظنا عند البحث عنهما عبر الإنترنت؛ أن الغالبية العظمى من الأخبار المنشورة عنهما خلال الفترة الماضية، متعلقة بإصدارهما دراسات شبيهة بدراسة إعادة بناء وجه إنسان “نزلة خاطر 2”. كان أولها دراسة منشورة في يناير 2023، لإعادة بناء وجه “جمجمة أريحا” التي عثر عليها في مدينة أريحا الفلسطينية عام 1953 والتي يرجع عمرها إلى 9000 عام. ثم دراسة أخرى منشورة في فبراير 2023، قاما خلالها بإعادة بناء وجه هيكل عظمي لأنثى يرجع عمرها إلى 9600 سنة عثر عليه في البرازيل!

ما يعني أنهما أنجزا ثلاث دراسات بالطريقة ذاتها خلال ثلاثة أشهر فقط، بمعدل دراسة كل شهر، لإعادة بناء أوجه أناس عاشوا قبل آلاف السنين. في أشهر يناير وفبراير ومارس من العام الجاري! -والتي للمفارقة نشرت أخبارها جميعا على موقع مجلة (Live Science) الأمريكية-. وهو ما يضع علامات استفهام حول دقة النتائج العلمية التي يمكن أن تصدر عن باحثين ينتجان دراسة علمية كل 30 يوما؟

الباحثان عرفا نفسيهما في الدراسة كالآتي. حيث أشارا إلى أن سيسيرو مورايس مصمم متخصص في المجسمات ثلاثية الأبعاد -والذي قام بالجانب الفني والتقني في دراسة إنسان (نزلة خاطر 2)- حيث عثرنا له على صفحات تعرفه بأنه متخصص في إعادة بناء الأوجه بتقنيات رقمية ثلاثية الأبعاد. ومتخصص في تصنيع وتصميم الأطراف الاصطناعية البشرية والبيطرية، وله إسهامات في التخطيط الرقمي للجراحات التقويمية وجراحات الأنف وتقويم الأسنان.

عالم الآثار البرازيلي مواسير سانتوس
عالم الآثار البرازيلي مواسير سانتوس
***

أما مواسير سانتوس -الذي قام بالجانب العلمي والبحثي- فقد عرف نفسه بأنه عالم آثار يعمل بمتحف (سيرو فلاماريون كاردوسو للآثار) بالبرازيل -وهو التعريف الذي وصف به في مختلف التغطيات التي تناولت خبر إنسان (نزلة خاطر 2)-. كما وجدنا له تعريف كامل على موقع (academia.edu) يقول فيه إنه حاصل على بكالوريوس في علم الآثار من جامعة (Estácio de Sá) الخاصة، وحاصل على الماجستير في التاريخ القديم من جامعة (Fluminense) الفيدرالية البرازيلية. كما حصل منها على درجة الدكتوراه.

وبالبحث عن المتحف الذي قال سانتوس أنه يعمل فيه، لم نجد عنه إلا القليل جدا عبر الإنترنت. حيث لم نجد له أي ذكر على موقع المجلس العالمي للمتاحف، ما يعني أنه في الغالب غير معتمد من المجلس. كما لاحظنا أن الأخبار عن المتحف منحصرة تقريبا في الأخبار المتعلقة بسانتوس نفسه! لنفاجأ بأن سانتوس هو نفسه مؤسس المتحف ضمن مشورع له لتحسين ثقافة المجتمع المحلي في مدينته. وأن المتحف ليس سوى معرضا لقطع الآثار المقلدة، ويحمل اسم عالم مصريات برازيلي راحل، هو نفسه العالم الذي كان مشرفا على سانتوس أثناء دراسته الجامعية.

دراسة غير مكتملة!

تفاصيل الدراسة كذلك، حملت مزيدا من علامات الاستفهام، فقد قال الباحثان في دراستهما، إن نص الدراسة -التي طارت أخبارها في الصحف ووكالات الأنباء بمختلف لغات العالم- ليس هو النص النهائي، وأنه قد يحتوي على أخطاء لغوية. مشيران إلى أن النسخة النهائية من الدراسة سوف تنشر بمجرد إجراء التصحيحات اللازمة عليها!

ولكن يبدو أن الدهشة لم تكن قد انتهت بعد، فقد أشار الباحثان، أن أحدهما -وهو مواسير سانتوس- جمع بيانات جمجمة إنسان (نزلة خاطر 2) من خلال زيارته للهيكل العظمي في (المتحف المصري بالقاهرة). ووضعا رابط موقع المتحف على الإنترنت من باب التأكيد، وأضافا أن سانتوس التقط خلال زيارته للمتحف مقطعي فيديو عاليا الدقة للجانب المكتمل من الجمجمة. ثم تمت معالجة مقطعي الفيديو وتحويلهما إلى سلسلة من الصور. وتم اختيار 72 صورة منها لإدخالها في عملية (المسح التصويري).

وأضافا أن جودة الصور المنتجة من مقطعي الفيديو لم تكن كافية لإظهار تفاصيل الجمجمة بالشكل المطلوب. لذا قاما بإدخال الصور على أكثر من برنامج متعلق بالتصميمات ومعالجة الصور. مثل برامج (Agisoft) و(Blender) للوصول إلى نتائج أفضل، ثم قاما بالاستعانة بالبيانات المنشورة في أبحاث علمية أخرى سابقة، أجريت على الهيكل العظمي لإنسان (نزلة خاطر 2).

وبغض النظر عن حجم التعديلات والمعالجات التي أجريت على صور الجمجمة، ومدى دقة النتائج النهائية التي يمكن أن تنتج عنها وعلاقتها بالشكل الحقيقي لصاحب الجمجمة. إلا أن المدهش بحق، هو أن الهيكل العظمي لإنسان (نزلة خاطر 2) لم يعرض أبدا بالمتحف المصري بالقاهرة الذي قالت الدراسة أن سانتوس قام بتصوير الجمجمة داخله. حيث إن الهيكل موجود منذ وصوله إلى مصر في عام 2015 في المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط! وهو ما يدفعنا للشك في قيام الباحثين بإجراءات جمع البيانات الخاصة بالدراسة بالطريقة التي أشارا إليها. بالرغم من عدم الثقة في طريقة عملهما ومدى دقتها وسلامتها العلمية.

نتائج مثيرة للجدل

كانت النتيجة النهائية التي توصل إليها الباحثان، والتي كانت عاملا رئيسيا في انتشار أخبار دراستهما. عبارة عن صورتين، اعتبرا أنها أقرب ما يمكن الوصول إليه بشأن شكل إنسان (نزلة خاطر 2) الذي عاش قبل أكثر من 35 ألف عام.

الصورة الأولى، والتي اعتبراها (نتيجة موضوعية علمية)، اشتملت على تمثال نصفي له أعين مغلقة ولون رمادي وبدون شعر. بينما كانت الصورة الثانية هي المشكلة، والتي قالا إنها (نموذج فني). فقد كانت صورة ملونة لشخص له عينان مفتوحتان ولحية قصيرة وشعر مجعد.

وقال الباحثان تعليقا على الصورة الثانية أنها احتوت على (عناصر تخمينية) متعلقة بالمظهر. ولكنها كانت عناصر ضرورية من وجهة نظرهما لـ(أنسنة التجربة)، مع إقرارهما بأن معرفة حقيقة هذه العناصر -الشعر ولون البشرة تحديدا- صعب جدا في ظل تضرر الجمجمة وعدم اكتمالها. إلا أن الشكل النهائي الملون يتوافق مع التحليلات الأنثروبولوجية التي أجريت على الجمجمة. والتي ترجح الأصول الإفريقية “الزنجية” لإنسان (نزلة خاطر 2) حسب قولهما.

نتائج الدراسة، وبالأخص الصورة الملونة التي تصدرت كل الأخبار التي نشرت عن الدراسة، أثارت جدلا كبيرا على الشبكات الاجتماعية في مصر. حيث رفض الكثيرون هذه النتائج واعتبروها غير دقيقة، واتهموها بأنها موجهة وليست علمية بأي حال من الأحوال. في ظل اعتبار البعض أن الملامح النهائية الأفريقية لا تمت بصلة للبشر الذين عاشوا على أرض مصر قبل آلاف السنين، بينما اعتبر البعض الآخر أن الملامح أقرب شبها بسكان أمريكا الجنوبية بشكل لافت.

نظرية المركزية الإفريقية

تعليقا على الدراسة، قال الآثاري والباحث في علم المصريات، أحمد صالح، إن الباحثين البرازيليين استخدما تقنيات الحاسب في عملهما. وهو ما يميزهما عن الهواة الذين يقومون بإعادة بناء أوجه الشخصيات التاريخية اعتمادا على صور التماثيل أو النقوش. إلا أن النتائج التي توصلا إليها في النهاية تواجه بعض المشكلات، مثل لون البشرة الأسمر وشكل الأنف المفلطح والشعر المجعد. وهو ما يجعله أقرب إلى (الأفريكان أمريكان)، منه إلى المصريين.

وأضاف في تصريحات لـ”باب مصر” إن تقنية الفوتوجرامتري التي استخدمها الباحثان، أو التصوير المساحي الفوتوغرافي الذي ينتج نماذج ثلاثية الأبعاد، معروفة وسبق تطبيقها في مصر على معبد فيلة. ولكن استخدامها على البقايا الآدمية تجربة جديدة، ويصعب الحكم على مدى علميتها من عدمه الآن. متابعا “إلا أنني أشك في النتيجة النهائية للدراسة، والتي أظن أنها موجهة، فالتقنية يمكن أن تخبرني عن طول الأنف. ولكنها لن تستطع إخباري عما إذا كانت الأنف مفلطحة أم لا، أيضا البشرة والشعر لا يمكن معرفة تفاصيلهما”.

صالح الذي يرأس إدارة النشر العلمي بآثار أسوان، أكد أن هناك نظرية تنتشر في العالم حاليا بسرعة الصاروخ. مفادها أن من قاموا ببناء الحضارة المصرية القديمة، هم الأفارقة. مشددا على أن ذلك إدعاء لا أساس له من الصحة. مضيفا “وللأسف لا نقوم في مصر بمواجهة مثل هذه الادعاءات بالشكل المناسب. حيث يتصدى للرد على أصحاب هذه النظرية مجموعة من الهواة الذين سرعان ما يقعون في فخ العنصرية”.

وتابع بقوله “أن أصحاب هذه النظرية كانوا يعجزون عن إقناعنا بأفكارهم التي يروجونها بشأن عصر الأسرات. لأننا نعرف عنه الكثير ونستطيع دحض ادعاءاتهم بكل سهولة. لذا اتجهوا إلى عصور ما قبل التاريخ وبداية عصر الأسرات، وهي فترة تفتقر إلى النصوص والكتابات. ويُعتمد في معرفة تاريخها على البقايا الآدمية وبعض الأدوات المحدودة، ما يسهل على أصحاب تلك النظرية تحقيق مسعاهم في سرقة جذور الحضارة المصرية”.

***

وأكد صالح أن الآثاريين سبق وطالبوا معهد بحوث الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة للرد على هذه الادعاءات. كونه يمتلك متخصصين وخبراء في الحضارات الإفريقية والمصرية، قادرين على مواجهة أصحاب تلك النظريات. خاصة وأن أفكار مثل المركزية الأوروبية أو المركزية الإفريقية للعالم أصبحت علوم موسوعية، يصعب على الآثاريين مواجهتها وحدهم. وهو ما يتطلب الاستعانة بالمتخصصين الذين يستطيعون معاونة الآثاريين لدحض مثل تلك الأفكار.

أما عن معايير مجلة (Live Science) الأمريكية في اختيار الدراسات التي تنشر عنها. فقد أكد صالح أن المجلة تعتمد في اختيارها على ما يمكن أن تحدثه الدراسة من إثارة للجدل. مشيرا إلى أنه يمكن لأي شخص أن يرسل مقالا أو دراسة إلى المجلة، والتي تقوم بعرضها على لجنة علمية لتقييمها. حيث لا تنظر اللجنة إلى تخصص الباحث أو مدى خبرته، بل يظل العامل الأساسي لديها في التقييم هو الإثارة والقدرة على الانتشار.

غياب الإجراءات العلمية والقانونية

وزارة السياحة والآثار المصرية من جانبها، قالت في بيان لها. إن الباحثين البرازيليين لم يتخذا الإجراءات العلمية والإدارية والقانونية الصحيحة والمتعارف عليها دوليا في مجال البحث العلمي، عند إجرائهما للدراسة. حيث لم يتقدما بأي طلب لهيئة المتحف لتصوير هيكل إنسان (نزلة خاطر 2) ورفع قياساته التشريحية ودراستها. كما لم يشيرا إلى حصولهما على قياسات الهيكل التشريحية من أي جهة أخرى. بما لا يعطي أية مصداقية في نتائج البحث والنسب التشريحية الواردة فيه وفي عملية إعادة تصور الوجه.

بيان الوزارة الذي نشر عقب قرابة أسبوعين من نشر الدراسة. أضاف أن الباحثين استندا في بحثهما إلى الرؤية الفنية الخالصة للهيكل. والتي اعتمدا فيها على استخدام برامج الجرافيك وليس على القياسات التشريحية للهيكل والتي أدت للوصول إلى هذه النتائج وهو ما يخالف معايير البحث العلمي.

نتائج سابقة مختلفة

نتائج دراسة الباحثين البرازيليين، تصطدم مع نتائج دراسة أخرى. نشرها فريق بحثي يرأسه يوهانس كروس مدير معهد ماكس بلانك للتاريخ والعلوم في جينا بألمانيا عام 2017، عن التركيبية الجينية لقدماء المصريين.

فقد قالت الدراسة التي نشرت بدورية “نيتشر كوميونيكاشنز”، إن التركيبية الجينية للمصريين المعاصرين مقاربة لجينات سكان أفريقيا جنوب الصحراء. أما جينات قدماء المصريين فهي تشبه سكان منطقة الشرق الأوسط وأوروبا أكثر مما تشبه المصري المعاصر.

وقد اعتبر كروس في تصريحات له، نشرت على موقع (للعلم) حينها، أن ما توصلوا إليه يعد إنجازا علميا غير مسبوق. كونها المرة الأولى التي يمتلك الباحثين معلومات موثوقة عن التركيبة الجينية للحمض النووي DNA للمومياوات المصرية، بحسب قوله.

وجاءت نتائج الدراسة بعد تحليل الحمض النووي لـ90 مومياء من قرية أبو صير الملق بمحافظة بني سويف في مصر. وتضمنت ثلاث حقب تاريخية امتدت قرابة 1300 سنة، من عصر ما قبل البطالمة وحتى العصر الروماني. وخلصت إلى أن جينات المصريين القدماء كانت أقرب في الشبه إلى سكان الشرق الأوسط منها إلى المصريين المعاصرين، وتحديدا سكان الأناضول والمزارعين الأوروبيين القدامى. ما يعني أن ملامح المصري القديم، طبقا لهذه الدراسة، كانت بعيدة تماما عن الملامح الإفريقية الصرفة، وأنها كانت بعيدة تماما عن الشكل الذي ظهرت عليه دراسة الباحثين البرازيليين.

المصمم البرازيلي سيسيرومورايس
المصمم البرازيلي سيسيرومورايس
رد الباحثين على الانتقادات

حرصت منصة “باب مصر” على التواصل مع الباحثين البرازيليين الذين أصدرا الدراسة، لمعرفة موقفهما من الجدل الذي أثارته الدراسة وما وجه إليهما من اتهامات. والحصول منهما على توضيح حول كثير من علامات الاستفهام التي لم نعثر على إجابة لها. لذا تواصلنا معهما عبر الإنترنت، وأرسلنا إليهما مجموعة من الأسئلة، حيث قاما بالرد عليها.

فقد نفى الباحثان في حديثهما لـ”باب مصر”، أن يكون للدراسة أي غرض أو توجه مقصود. وأكدا أنهما سبق لهما وعملا على إعادة بناء الأوجه المتعلقة بالتطور البشري لأكثر من عشر سنوات. وقد اختارا العمل على هيكل (نزلة خاطر 2) لأهميته في فهم تطور البشر.

وأشارا إلى أنهما لم يربطا بين نتائج الدراسة وبين المصريين القدماء أبدا. لأن هناك فترة زمنية طويلة جدا تفصل بين الهيكل وبين مصر القديمة، وأن من قام بهذا الربط هي وسائل الإعلام التي قامت بتغطية أخبار الدراسة. لذلك أكدا في الدراسة أنها مجرد “محاولة تقريبية” لمعرفة شكل إنسان (نزلة خاطر 2)، وبالتالي فهي مجرد فرضية بحثية.

أما عن التقنية التي استخدماها في تجربتهما. فقد أكدا أنها تقنية يستخدمها كثير من الباحثين حول العالم لاستعادة وجوه أشخاص عاشوا قبل آلاف السنين. كما يستخدمها علماء الطب الشرعي لحل جرائم القتل من خلال التعرف على الأشخاص الذين قتلوا وتحديد هوياتهم. وقد اعتمدا في تحديد لون البشرة والشعر والعيون على نتائج دراسات سابقة متعلقة بتحديد موروفولجيا السكان. وهو علم يهتم بدراسة شكل وبنية الكائنات الحية وخصائصها المميزة من ناحية المظهر الخارجي.

دورية علمية عمرها 3 سنوات

أما عن الدورية العلمية التي نشرت فيها الدراسة. فقد أوضح سيسيرو أن اسمها الصحيح هو OrtogOnLineMag، وأكد أنها مجلة تقنية علمية تحمل رقم تعريف دولي ISSN 2764-9466. وهي مجلة نشطة نصف سنوية تصدر منذ عام 2020. وقد أطلقت المجلة كجزء من مشروع OrtogOnBlender project. وبالبحث عن المشروع المذكور. وجدنا أنه مرتبط بمنصة (بلندر) التي تتضمن مجموعة من الأدوات المتاحة مجانا. ومفتوحة المصدر لبرامج رسومات الكمبيوتر ثلاثية الأبعاد التي تستخدم لإنشاء أفلام الرسوم المتحركة والمؤثرات البصرية. وأن المشروع يأتي ضمن عملية الترويج للمنصة ولأدواتها.

ولكن الأكثر إدهاشا أننا وجدنا بأن سيسيرو، هو المحرر العلمي الرئيسي لهذه المجلة، والتي تركز كل إنتاجها تقريبا على إعادة إنتاج المجسمات ثلاثية الأبعاد. كما أنه أحد ملاك الموقع الإلكتروني للمجلة كما يظهر من الشريط المعروض أسفلها عن حقوق الملكية!

زيارة متحف الحضارة

سانتوس أقر في تصريحات لـ”باب مصر” أنه ذكر في الدراسة قيامه بتصوير الهيكل داخل (المتحف المصري بالقاهرة) وليس (متحف الحضارة). معترفا أن ذلك كان خطأ غير مقصود وأن مثل هذه الأخطاء تحدث ولكن لم يتمكنا من تصحيحه لأن أخبار الدراسة كانت قد انتشرت بهذه المعلومة غير الدقيقة.

وأضاف سانتوس أنه قام بزيارة المتحف القومي للحضارة مرتين، الأولى عام 2007 وكان مفتوح جزئيا حيث كان لا يزال في طور الإنشاء. والثانية بعد انتهاء جائحة كوفيد-19، وخلال الزيارة ثانية قام بتصوير الهيكل داخل فاترينة العرض، بعدما تأكد من جودة الإضاءة. وهي الصور التي استخدمها في الدراسة، وعندما سألناه عن مدى دقة النتائج التي يمكن أن تنتجها صورا التقطت بهذا الشكل. قال إن أشخاص آخرين قاموا باتباع النهج ذاته وقاموا بتصوير بعض مقتنيات المتحف داخل الفتارين. وأنتجوا من صورهم نماذج ثلاثية الأبعاد. معتبرا أن النتائج التي حصل عليها من تلك كانت دقيقة. وهو ما أثبتته المقارنة بين التصوير المقطعي للجمجمة وبين المسح التصويري الذي أجراه هو وسيسيرو.

أما عن الجهة العلمية التي يتبعها، فقد أكد أنه يعمل منذ قرابة 20 عاما أستاذا في مركز جامعة كاكمبوس دي أندراد، في كوريتيبا. ويقوم بتدريس علم الآثار والتاريخ القديم. إلا أن المتحف الذي ذكرت التغطية الإخبارية للدراسة أنه يعمل به. فقد أقر أنه متحف صغير جدا ويحتوي على نسخ مقلدة، تم شراء بعضها من مصر.

واختتم بقوله إن قيامهما بهذه الدراسة تم بشكل مستقل وفردي من قبلهما -أي ليس بتكليف من أي جهة علمية ولا تحت إشرافها- ضمن دراستهما لفهم التطور البشري. وكل ما احتاجوا إليه هو شحن هواتفهما وتشغيل برامج الكمبيوتر، التي كانت جميعها مجانية!

اقرأ أيضا:

ظهرت في مسلسل «سره الباتع».. متى عرف المصريون الطماطم؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر