حارة اليهود.. وسرّ رائحة الياسمين

“الأدوش” كلمة يهودية تعني مستوطنة أو مجمع وهو مبنى من طابقين بناه اليهود منذ أكثر من 105 سنة في أكثر من زقاق داخل الحارة، بحسب روايات لقاطني الحارة الآن، وكانت روائح الياسمين تفوح من كل حدب وصوب داخله.
تتبع حارة اليهود تلك الحارة الشهيرة حي الجمالية، تتكون من عدّة أزقّة، كانت في الماضي تتكون من عقارات صغيرة ومحال لبيع الأقمشة، ومع مرور الزمن تحوّلت من منطقة سكنية إلى منطقة تجارية، وتشتهر حاليًا ببيع الإكسسوار الحريمي.
عبده المنصوري (56 سنة – تاجر) ممن عاصروا الطائفة اليهودية، يقول إنهم أول من أدخلوا تجارة الأقمشة للحارة، واستطاعوا جذب ثقة الجميع داخل القاهرة وخارجها، وحينما قرروا هجر المنطقة بعضهم باع أملاكه إلى مصريين والبعض الآخر تركها، ومن هنا بدأت عملية التحوّل من منطقة للسكن إلى منطقة تجاريّة.
وبحسب قاطني الحارة، فإن الحارة كانت تضم نحو 13 معبدًا يهوديًا، لم يتبق منهم سوى ثلاثة فقط هم “موسى بن ميمون”، و”بار يوحاي”، و”أبو حايم كابوسي”.
كانت الطائفة اليهودية تتميز بعادات وتقاليد تثير دهشة المصريين، من بينها إطفاء الأنوار وإيقاد الشموع ورش العطور، مع المكوث في غرفتهم السبت من كل أسبوع، وفق فتحي عبدالعزيز (60 سنة)، من أقدم أهالي الحارة.
يتكون الأدوش الواحد من 45 شقة تم توزيعها على طابقين، يضم الطابق الأرضي منها 21 شقة و3 مخازن وغرفة لحارس المبنى، فيما يحوي الطابق الثاني 21 شقة تتكون الواحدة من غرفة للنوم وصالة وحمام، فضلًا عن حديقة كبيرة تحوي أشجار الياسمين، وذلك على مساحة 2000 متر تقريبًا، حسب حسين النجار (54 سنة – تاجر) من أقدم أهالي الحارة.
تجاوز عدد اليهودي الذين مكثوا في الحارة مئات السنين 150 ألفًا، ويوضح النجار أنه عقب حريق القاهرة في 1952، بدأت الأسر اليهودية في الهجرة من مصر، وباعوا ممتلكاتهم للمصريين الذين حلّوا مكانهم، وبيع الأدوش لمواطن مصري وسكنه مصريون، ليشهد الأدوش رحلة التدهور، إذ يضم حاليًا 18 أسرة فقط، وتحولت باقي الشقق إلى مخازن، واقتلعت الأشجار، وأصبح في حالة يرثى لها.
وعلى الرغم من هذا التحول الكبير، مازالت حارة اليهود مليئة بالحواديت والحكايات التي يجهلها الكثيرون، وتحمل عبق التاريخ الذي يفتخر به أبناء هذا الحي.