«جويس منصور».. طفلة مسك الروم
(1)
أحب لوحات السيرياليين، بل أعشق كل أنواع الفنون، وخاصة ما يخرج منها عن المألوف تحليقا في فضاء أوسع. رأيت كثيرا من لوحاتهم في مصر، وفي العالم رأيت لوحات للكثيرين منهم، عبرت إلينا في التاريخ. قرأت عن الحركة في العالم وفي مصر كتبا رائعة لكتّاب مثل سمير غريب.
في الفترة الأخيرة انفتح لي هذا العالم مع الفنان والشاعر والموسيقي والمترجم محسن البلاسي، ومعه أيضا زوجته الشاعرة والقاصة والفنانة غادة كمال أحمد. أتابع نشاطهما على “فيس بوك” وأقرأ ما يكتبون في الأدب والفن، مذهولا باللغة والمشاعر. قرأت أخيرا قصصا لغادة كمال أحمد بعنوان “الرجل الذي أكل الساعة”، وأشرت إليها في منشور عبر عن إعجابي وذهولي من الصور الفنية الفارقة.
***
كان الفن التشكيلي، كما السينما، رافدا كبيرا في أعمالي الأدبية. تسربت السيريالية إلى رواياتي وقصصي في بعض المشاهد، وأعرف ذلك بعد أن أكتب. لي مثلا قصص قصيرة جدا بعنوان “ما تبقى من الأحلام” تعكس ذلك، كما تسربت بشكل كبير في رواية لي هي “السايكلوب” وغيرها. أضحك كثيرا مما حولي، الذي يفوق الخيال في نشوزه، فأسميه كما يسميه الشخص العادي مشهدا سيرياليا، رغم أنه لا يعرف السيريالية.
في الأيام الأخيرة أردت الخروج عما حولي، فقرأت كتابا رائعا لمحسن البلاسي عن الكاتبة السيريالية المصرية جويس منصور، التي يتردد اسمها دائما في أيْ حديث عن السيريالية. سيرة لجويس منصور، حياتها وإبداعها ومن صادقتهم والأماكن والأزمنة.
الكتاب ضخم، يقع في ستمائة صفحة من القطع الكبير، ومن منشورات دار صفصافة. دخلت إلى الكتاب ولم أخرج لأسبوع تقريبا. كتاب لا يمكن تلخيصه ولا الإحاطة بكل ما فيه، لكني سأحاول أن أضع يدي على حقائق حاضرة، وحقائق غائبة حضرت في الكتاب.
***
الكتاب من ثلاثة فصول كبيرة، في كل فصل أقسام تحمل عناوين لموضوعات وأسماء أشخاص وأحداث. يفتتح الكتاب بحديث سريع معبّر يقول فيه: “هناك طيف من الكذب احتل باريس عام 1986، وهو أن حديقة مباهج هذا القرن قد ماتت. وأن الحكاية الشرقية التي تسمي “طفلة مسك الروم” قد انتهت”. وطبعا عام 1986 هو عام وفاة جويس منصور، ومن ثم سيكون الكتاب دليلا عظيما على حياتها الباقية بأعمالها.
ويناقش الكتاب ويوضح كيف تم تقديم جويس منصور للشرق الأوسط فقط كشاعرة إيروتيكية، وتم تجاهلها تماما كقاصة وفنانة وناقدة ومفكرة سيريالية، شاركت بشكل جذري في صياغة وتشكيل الحركة السيريالية الدولية بين خمسينات وثمانينيات القرن الماضي.
هكذا يأتي الكتاب. بعد هذا التنويه، يكون الإهداء إلى زوجته الفنانة غادة كمال أحمد، وإلى شخصيات دعمته في البحث أو في توفير وثائق وغيرها، ولن يغيبوا عن الكتاب بعد ذلك. ثم تأتي مقدمات عن جويس منصور: الأولى كتبها ويل ألكسندر، الشاعر والفنان والناقد والعازف الأمريكي، ومما قاله فيها: “لقد تألقت تاركة في أعقابها مخيالا لا مثيل له، يستمر في الازدهار في عصرنا وما بعده”.
***
ومقدمة أخرى لمارك كوبيج، الباحث في السوربون، وله أعمال عن تاريخ السيريالية في مصر، يقول في صور سيريالية: “من الذي لم تحبه؟ ومن لا يستطيع أن يحبها بسبب تجاوزاتها التي نادرا ما تكون غير مبررة، تتم دائما بشكل مثالي، مثل حذاء مدبب جدا يضرب مؤخرة القتلة. المرأة ذات لحية البومة التي تحضن تحت تنورتها المليئة بالضباب، الليل اللانهائي والعاصفة”.
ثم مقدمة لوران دوسيه، التي يهديها للفنانة غادة كمال أحمد، ويقول فيها: “جويس منصور هي أبو الهول برأس صقر.. هي التي استحوذت على أوديب على الطريق إلى طيبة”. ثم مقدمة لريكي ديكورنيه، الكاتبة والشاعرة والفنانة الأمريكية، ومما قالته فيها: “بالرغم من المخاطر، تجرؤ جويس على الرقص تحت مقص الكبت والمنع، تذكرنا أن مجمرة الحب العاطفي (كلماتها) هي عالم التخريب والحدس والأحلام والعيش العميق”.
ثم مقدمة لجورجيا بافليدو الشاعرة والفنانة الأمريكية من أصول يونانية، وبعد حديث عن سيرتها تقول عن كتاب البلاسي: “إنه ليس بالأمر الهين أن يكون أول كتاب يُنشر في مصر عنها. إنه أكثر من مجرد علامة فارقة. إنها معجزة مصغرة”.

(2)
هذه المقدمات تأخذ روحك إلى الفضاء لتستمر في اكتشاف الأسرار والأسحار. فيأتي التمهيد من الكاتب محسن البلاسي عن جويس منصور التي ولدت بإنجلترا عام 1928، وحديث عن الحركة السيريالية في الخارج ووضع النساء بينها، وكيف صارت الإيروتيكية بالنسبة للسيرياليين إحدى الوسائل لتحقيق التحرر الكامل في مواجهة الفاشية الاجتماعية.
النشوة الجنسية هي الموت الصغير بالنسبة للفرنسيين، وفي الخمسينات كانت جويس منصور تليق بإيروس، إله الحب اليوناني، والإيروتيكية هي تعبير عن الجانب الفلسفي والأدبي المرتبط بالرغبة الجنسية.
حديث عن كيف، بعد موت أندريه بريتون عام 1966، وهو مؤسس الحركة السيريالية، تعرضت جويس منصور لحملة ممنهجة من النقاد المحافظين حول العالم، وللنبذ من المؤسسات والمجتمعات الأدبية الرسمية المحافظة في الشرق الأوسط، كما تجاهلت الحركة النسوية الأدبية جويس منصور لأنها لم تتقرب منهم يوما. يقال إنه حين طُلب منها أن تكتب في مجلة نسوية، قالت: “لا أعرف ما الذي تتحدث عنه”.
***
حديث عن ترجمة قصائدها، لكنه هنا يكتشف من جديد حياتها ومنتجها القصصي والنقدي إلى جوار الشعري. هي لم تخطط بشكل حرفي مقصود لإنتاجها، لكن اقتحمت نصوص جسدها عشوائيا عبر تجوالها في الواقع الذي تحركه الصدفة الموضوعية، أو عبر طيرانها اللامتناهي في أحلامها.
وحديث عن الصالونات الأدبية في مصر، من الأجانب أو المصريين، وكيف كان وسط القاهرة مكدسا بالملاهي والمسارح ودور السينما وقاعات الرقص -بتفصيل تاريخي- وحديث عن حي الزمالك وأصله وبداية النشاط الفرانكوفوني في مصر، واللغة الفرنسية وشيوعها في الجماعات الأدبية.
كل ذلك كان حول جويس منصور وشاركت فيه. كانت لغتها الأولي هي الإنجليزية لكنها مالت للفرنسية. جاء أبوها وأمها وهما من اليهود السفارديم من بريطانيا، يحملون الجنسية البريطانية بسبب الاضطهاد الأوربي لليهود. كانت عائلة أرستقراطية وصار أبوها في مصر من رجال الأعمال. عاشت في الزمالك مراهقة صغيرة ثم زوجة وشاعرة شابة. تضرر اليهود المصريين في مصر بعد ذلك بظهور جماعات وأحزاب فاشية مثل الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة، وهاجروا.
***
كيف ازداد هذا في الخمسينيات مع سياسة عبد الناصر فكانت الهجرة الكبيرة بالآلاف لكل الجاليات الأجنبية. بالمناسبة هذا موضوع روايتي “طيور العنبر” الجزء الثاني من ثلاثية الإسكندرية. كانت هي ثالث الأبناء لوالديها بعد أخيها الأكبر ديفيد وأختها الأكبر جيني، ثم جاءت بعدها أختها الصغرى جيليان. تعليمها وكيف أيضا أُرسِلت إلى كلية عليا للفتيات في سويسرا، فتعلمت تعليما صارما إلى جوار الرقص والموسيقى، كما أتقنت الغناء الأوبرالي. حديث عن كل الأماكن والنوادي مثل الزمالك ونادي الجزيرة بتفصيل كبير.
في عام 1945 توفت أمها بالسرطان، فحاولت هي الهروب من الآلام بالرياضة التي صارت تمارسها بجنون. والتقت بهنري نجار فصار زوجها الأول، وتزوجا عام 1947، لكنه أصيب أيضا بسرعة بسرطان مدمر ومات. كانت وفاة زوجها الأول، وهي في سن صغيرة، صاعقة ظهرت بوضوح في مجموعتها الشعرية الأولي “صرخات”.
***
وفي عام 1948، بعد عام من وفاة زوجها الأول، التقت بسمير منصور في نادي اليخوت، فتزوجا عام 1949وسافرا إلى فرنسا وإيطاليا، فأعادت اكتشاف السعادة معه وهي في سن الواحدة والعشرين. من أهم الصالونات الأدبية في مصر كان صالون ماري كافاديا، الشاعرة والكاتبة الرومانية. حديث عنها وعن أشعارها، وكيف كان الصالون بيت جويس الخيالي، وكانت الحركة السيريالية تتقدم في العالم ومصر.
في هذا الصالون ظهر كتاب مثل أندريه جيد وجورج حنين، الذي فتحت له ماري كافاديا صالونها وللسيرياليين في القاهرة، وما أقاموه من معارض أو أصدروه من مجلات. رسائل من جورج حنين لجويس، توضح كيف جذبتها الحركة. ثم تأتي الهجرة أو الرحيل الأكبر من مصر لليهود في الخمسينيات، والسجن الذي طال والدها وزوجها سمير منصور وخروجهما، وفرارها مع سمير منصور إلى باريس مع ابنيهما الصغيرين، وكانت في الثامنة والعشرين من عمرها. ثم وفاة أبيها بالسرطان بعد ذلك وهو في السادسة والسبعين.
في أول الخمسينيات لم تكن جويس منصور جزءا من السيريالية المصرية، رغم مشاركتها في بعض الفعاليات لأصدقاء جورج حنين الذي شجعها على نشر قصائدها، لكنها لم تكن تكتب في المجلات السيريالية المصرية. نجحا في نشر بعض قصائدها في فرنسا، وكانت باريس هي الميلاد الجديد، حيث استقرت هناك منذ عام 1955.

(3)
كان للسيريالية في أوروبا، منذ الأربعينات، أعداء يرونها طوباوية ورومانسية ورأسمالية منحطة وفوضوية تخريبية، بينما كانت أعداد كبيرة من الشباب الفنانين والأدباء ينتظرون الانضمام للحركة، وبدأت العاصفة تهدأ مع بداية الخمسينيات.
شاركت جويس في أغلب إصدارات السيريالية والمعارض، وكانت رحلتها مع جورج هونيه وبيير سيجفر. هونيه كان شاعرا وفنانا ومؤرخا وناشرا، أعماله أقرب إلى الدادائية، وكان مقربا للعديد من مؤسسي السيريالية في فرنسا. قام هونيه بتقديمها إلى صديقه الناشر بيير سيجفر، الذي نشر مجموعتها الشعرية الأولى “صرخات”. بعدها زاد الحماس لها وانتشر اسمها، وفي الكتاب كثير مما كتب عنها.
عام 1955 نشرت كتاب “دموع”. حديث عن كل كتاب وظروف نشره ونماذج من قصائده. كان عام 1954 استثنائيا لها، إذ ظهرت قصائدها في مجلات أدبية متعددة يذكرها الكاتب. تعمدت جويس تجنب ما يحدث في مصر من تحولات بعد حركة الضباط الأحرار عام 1952، ورحلت مع استقرارها في باريس واتحادها الأسطوري مع مجموعة باريس السيريالية على المستوي الشعري.
***
أحاديث مفصلة عن أندريه بريتون، ولقاءاتها الأسبوعية معه ومع المجموعة السيريالية، وكان بريتون منجذبا لها، وللسحر القادم منها، هي الشابة الغريبة، وموهبتها الشعرية المفترسة. كيف استلهمت مجموعتها الشعرية الثانية “دموع” من مشاعرها تجاه أندريه بريتون. تبادل الرسائل بينهما رغم استقرارها في باريس ورؤيته.
وأحاديث فكرية عن معنى العنف السيريالي والفكاهة السوداء التي تحديا بها القوانين البورجوازية والأبوية. تقف أعمال جويس كمثال على الفكاهة السوداء، كما ذكر عنها أندريه بريتون في مقدمة كتابه “أنثولوجيا الفكاهة السوداء”. أمثلة على هذا الشعر كما يحدث دائما، وكتابتها للقصة القصيرة السيريالية أيضا، وهو ما لا يعرفه الكثيرون عن السيريالية، وحديث عن جوهر ومعنى قصصها وأمثلة منها.
***
جولة معها ومع المقاهي السيريالية في باريس ومقتنياتها من رسائل أندريه بريتون. كانت مقاهي باريس تشهد حركة السيرياليين منذ العشرينات من القرن الماضي. وأمثلة عليها وتنقلهم بينها. كافيه “دي لا سورس” كان للدادائيين مثلا، وبعدها صار مقهى “لي سيرانو” مقرا لبريتون، وكان هناك من يفضل حانة “لي كوبل”أو “لا كوت دور”.
أسماء المقاهي كلها وأحاديث عنها. كيف كانت هواية جويس وبريتون هي التسكع لجمع الأشياء السيريالية بين محلات السلع المستعملة. وأشياء مما اكتشفوه في تسكعهم، مثل خزانة ذات ألواح علوية منحوتة بالحيوانات وغيرها. استلهمت جويس في شعرها كثيرا من الكائنات التي جمعتها.
حديث عن جويس والإيروس أو الجنس في شعرها وقصصها وشعر السيرياليين، وكيف في عالم جويس هناك ترابط بين الإيروسية وبين الموت والميلاد. أحاديث ونماذج كالعادة ورأي الآخرين.
***
كانت جويس منصور ترى الكتابة كدافع جسدي مثل الأكل، وتقول: “أكتب حين اضطر إلى ذلك، مثل الأكل أو المرض أو الذهاب إلى الحمام”. فالكتابة مطلب جسدي يشكل جزءا من تجربتنا اليومية. ينتقل إلى سردها الذي يستعصي كثيرا منه على التصنيف، والكتاب في نهايته يشمل جزءا من سردها النثري. كما قال فلدينا، لم يتم تسليط الضوء على ذلك، بل فقط على المنتج الشعري القشري، بينما لها منتج ضخم في النثر والنقد والقصص مع الشعر. حتى الترجمات لشعرها قليلة لدينا.
رغم الإيروسية، فكل كتاباتها لا تمثل الأدب الإيروتيكي السائد، بل كان منتجها موجها لخلق طاقة تحريرية باطنية ضد أشباح الموت والمرض والفناء التي يبدو أنها سكنت عقلها. لها مثلا خمسة كتب قصصية مثل: “الراقدون الراضون”، و”يوليوس قيص”، و “الصناديق”، و”الذي/التي”، و”قصص مؤذية”. نشرتها دور نشر كبري مثل جاليمار، أو دار الشمس السوداء (لا سولي نوار) وغيرها.
***
أحاديث عن كل كتاب ومحتواه، وعن معارض باريس التي حضرتها مثل المعرض الدولي للسيريالية عام 1959 والمعرض الثامن للسيريالية وغيرهما، وتفاصيل كل ذلك بمحتويات المعرض وأسماء المساهمين فيه من الفنانين. أحد المعارض أقيم في شقتها مع سمير منصور في باريس، وصورت لذلك رموز تعبيرية عن المعرض، مثل صورة الكائن السيريالي للمعرض الذي أقيم في شقتها، وهي الصورة التي صنعها جان بينوا بطل العرض وتفسير الرمز.
معارض أخرى في الخارج مثل معرض ميلانو في إبريل عام 1959. مشاركتها في الاستبيانات السيريالية وهو تقليد سيريالي قديم منذ نشأة الحركة، وكان عنوان أحد الاستبيانات: “موقف الرسم – متى تكون اللوحة سيريالية؟” من إحدى إجاباتها الخمسة تقول: “التمييز بين السحر وسحر الخيال هو بالنسبة لي سفسطة. الفن والسحر هما فقط مصطلحان متمايزان بشكل مصطنع، حيث يستخدمان نفس وسائل الاتصال مع الثابت. الفن التقليدي هو السحر النشط ورسالته”.
توضح كيف أن الألعاب السيريالية هي أهم الطرق لفتح الفضاء النفسي للإبداع الخلاق، وعن نموذج الأنثى عندها وغير ذلك، وكيف كانت بمثابة “أليس” جديدة في دنيا العجائب.
(4)
يأتي الحديث مع أصدقاء الكلمة واللون، أسماء مثل بيير دي موندرياجيه، وحديث عنها وكيف تقربت منه فهو الشاعر الفرنسي السيريالي الذي تأثرت به، وكانت بينهما إهداءات من النصوص ونماذج منها. وقد التقت به من قبل في القاهرة عام 1955، وكان هو من أكبر دوافعها على الاستقرار في باريس.
كذلك ليونور فيني، وهي واحدة من أبرز السيرياليات في الفن التشكيلي، والتي أعلنت أنها ثنائية الميول الجنسية مع الرجال والنساء، لكن ليست سحاقية، فالزواج لم يرق لها أبدا، إذ كيف تعيش مع شخص واحد؟ كانت من قبل تزورها في مصر، كما قال سمير منصور، زوج جويس. كانت ليونور تحب القطط، وكانت شقتها مثل الكوميونة في باريس للسيرياليين. كيف كانت متأثرة بالحضارة المصرية القديمة، ومثلها كانت جويس.
ثم يأتي الحديث عن هانز بيلمر، النحات والرسام الذي قرأ مخطوطها يوليوس قيصر، وعن رسائله إليها وكيف رسم لها غلاف الكتاب. أحاديث عن الكتاب في المبنى والمعنى وصفحات منه. ثم يأتي بيير مولنييه، الفنان التشكيلي الذي كان يكتب الشعر أيضا، وأهداها قصيدة تجدها في الكتاب.
***
وقد أطلق عليها أندريه بريتون لقب “طفلة مسك الروم”، واشتهرت باللقب في باريس. ومسك الروم هو النبات الجميل ذو الرائحة العطرية الأخاذة. نمشي مع السنوات فندخل في الستينيات وما حدث بعد حركة الطلبة في أوروبا وباريس عام 1968 وأثر ذلك على الحركة السيريالية بشكل إيجابي، فظهرت تيارات تحرر جنسي وفني في شتي البلاد. واقتحم السيرياليون في السبعينات معارك تحرير المرأة لدعم الحرية الجنسية بشكلها الإيروسي الأعمق.
يأتي بعد ذلك الحديث عن النقد، ورؤيتها من خلال النقد للأساطير القديمة عن الموت والعالم الآخر وغيرها. ثم يأتي الفصل الأخير من جديد عن بعض الشخصيات، وزيارتها لهافانا بعد الثورة الشيوعية في كوبا عام 1968 مع شخصيات فنية وشعراء وغيرهم، وكيف كانت الثورة في كوبا في البداية ملهمة للسيراليين حتى ظهرت الأفكار الشمولية. تسرد تفاصيل ذلك ورؤى الفنانين فيه بتوسع.
***
ومن بين من قابلتهم وكانت لها معهم صداقات عظيمة “بيير آلتشينيسكي”الفنان التشكيلي، الذي جمعتهما به رسائل وتعاون مثل تعاونه معها في مسرحيتها السيريالية الوحيدة “زرقة الصناديق”، ونُشرت في إحدى المجلات، وبعد ثماني سنوات تم عرضها عام 1967 في مقهى به مسرح يتسع لخمسين شخصا. ما قيل عن المسرحية واقتباسات منها.
بالمناسبة قامت جويس منصور بتمثيل دور البطلة في مسرحية “المياه الطازجة” لفرجينيا وولف. تأتي رحلة النشر في السبعينات واقتباسات عديدة من نصوصها وغير ذلك حتى يأتي الفقد للآخرين، ثم تمر السنوات وأحلامها الأخيرة حتى النهاية عام 1986. يداهمها السرطان الذي داهم أحبابها من قبل، وهي في الثامنة والخمسين من عمرها.
يأتي دليل عن محطاتها في رحلتها منذ الولادة كتوثيق تاريخي، التعليم والبلاد والمعارض واللقاءات وغيره. ثم بيبلوجرافيا بأعمالها. ما نشر وما لم ينشر. كنز عظيم يستحق الإحياء.
***
وفي النهاية، الكتاب جهد بحثي وفكري عظيم، ومعذرة لم يتسع المقال لكثير من الرسائل أو صفحات من القصص والشعر والمسرح التي تميز البحث أو الصور التي يحفل بها الكتاب.
أترك الأمر لكم.
وأجمل ختام للمقال هو ما قالته جورجيا بافليدو الشاعرة والفنانة الأمريكية عنه في المقدمة: “إنه ليس بالأمر الهين أن يكون أول كتاب ينشر في مصر عنها، إنه أكثر من مجرد علامة فارقة، إنها معجزة مصغرة”.
اقرأ أيضا:
كتاب عن «الروائح» يتسع به الفضاء
كيف أصبحت الإسكندرية حلما؟ الروائي «إبراهيم عبدالمجيد» يُفسر



