نساء وسود ومثليون: ضد العنصرية.. وضد السطحية أيضا!

أعلنت “مارفل”،  أكبر شركات مجلات الكوميكس ومسلسلات وأفلام الأبطال الخارقين، عن ستة أعمال تظهر هذا العام والعام المقبل، يتحول فيها الأبطال المشهورون إما إلى نساء أو رجال سود.

الرجل الأخضر، أو Hulk، سوف يتحول إلى “خضرة” أو She- hulk، وكما بدأ “الأخضر” في التليفزيون، ستبدأ “خضرة” على يد الممثلة تاتيانا ماسلاني، في مسلسل يبدأ بثه العام القادم.

“الرجل الحديدي” Iron Man  سوف يتحول إلى امرأة سوداء اسمها “القلب الحديدي” تحل محل أكثر أبطال “مارفل” شعبية، الذي مات مضحيا بحياته في سبيل إنقاذ العالم في فيلم “نهاية اللعبة”.

حتى “كابتن أمريكا” الأشقر ذو العينان الخضراون، الذي يتلفح بالعلم الأمريكي، سوف يتحول لرجل أسود مرشح للعب دوره الممثل أنطوني ماكاي.

أما “ثور” نصف الإله القادم من الفضاء ذو المطرقة الخارقة، فستحل محله البطلة الخارقة جين فوستر، أو الممثلة ناتالي بورتمان، التي ترث مطرقته وقدراته في فيلم قادم.

وقبل “مارفل” كانت “دي سي”، أم شركات الكوميكس، قد غيرت الكثير من أبطالها ليصبحوا شخصيات سوداء ونساء، في مجلاتها والأفلام والمسلسلات التي تنتجها.

“ديزني” قامت بمراجعة كل أفلامها على مدار قرن مضى، لتحذف منها أي إساءة تسربت لهذه الأفلام ضد النساء أو السود أو الأعراق الأخرى، وتقريبا معظم أفلامها الجديدة يلعب بطولتها شخصيات سوداء ونساء.

و”بيكسار” أنتجت العام الماضي أول فيلم في تاريخها يلعب بطولته شخصية سوداء وهو فيلم “سول” الحاصل على الأوسكار كأفضل فيلم تحريك.

ومعظم ترشيحات الأوسكار في العامين الماضيين، خاصة العام الماضي، كانت لنساء وفنانين سود وموضوعات عن شخصيات سوداء ونساء.

منصة نتفليكس

كثير من مشاهدي منصة “نتفليكس” الذين أعرفهم سمعتهم يعربون عن “قلقهم” من مضامين الأعمال التي تبثها المنصة، التي أصبح معظمها عن السود والنساء والمثليين جنسيا.

كثيرون كتبوا عن “الصوابية السياسية” أو ” التصحيح السياسي”   political correctness الجاري الآن في وسائل الإعلام والترفيه، الذي وصل إلى المهرجانات السينمائية الدولية التي وضع بعضها شروطا “غريبة” لقبول الأفلام منها أن تكون عن المهمشين والمضطهدين بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو الميول الجنسية. وهناك مهرجانات مصرية رأت أن تساير “الموضة” وتعلن أنها ستطبق قاعدة “فيفتي فيفتي”، أي النصف والنصف، وذلك بأن يكون نصف العاملين في المهرجان ونصف المشاركين بأفلامهم من النساء.

وكل ما سبق يثير دهشة واستياء الكثيرين، لأسباب ليس كلها عنصرية، وإن كان بعضها بالقطع يرجع لعنصرية متأصلة، وحساسية مرضية، ضد المختلفين جنسيا، أو دينيا أو عرقيا.. أو كلهم معا.

لكن الدهشة والاستياء ورائهما أحيانا موقف ليبرالي ديمقراطي يرى أن هناك معايير للعمل وللفن وللتمثيل السياسي ليس من بينها أن يكون المرء امرأة أو أسود أو مثلي جنسيا، وأن نظام “الكوتة”، أو الحصص، ضد فكرة الديمقراطية والحرية نفسها.

التمييز نظريا

والمسألة محيرة بالفعل. فتاريخ البشرية خلال الثلاثة آلاف عام الأخيرة، على الأقل، قام على انتهاك حقوق النساء والأقليات العرقية، ومطاردة وقمع المختلفين دينيا وجنسيا وسياسيا، وقد آن الأوان لمحاربة هذا الظلم الطويل، وخلق أجيال لا تعرف التمييز.

ومع أن “كل” الناس ضد التمييز نظريا، لكن معظمهم يمارسه بطريقة أو أخرى. وكثيرا ما أسمع المصريين ينكرون بشكل عام أنهم عنصريون ضد النساء والأعراق الأخرى والأجانب والمختلفين دينيا وجنسيا وسياسيا، مع إن التجربة اليومية تثبت أنهم لا يقلون عن بقية شعوب العالم عنصرية، ويمكن للمرء أن يتبين ذلك بسهولة بمجرد أن يسير في الشارع أو يجلس في مكان عام، فسوف يسمع التحرشات والشتائم والتعليقات ضد النساء والملونين وغيرهم، ويمكن أن يسأل المرء أي امرأة أو شخص أسود عن المعاناة التي يواجهها في شوارع ووسائل مواصلات مصر، ولن نذكر المثليين جنسيا الذين يعانون اضطهادا شعبيا ورسميا علنيا، أو الأقليات الدينية التي تعاني اضطهادا شعبيا ورسميا غير علنيا.

الذين يطالبون بـ”الصوابية السياسية ” في السينما والدراما يعتبرون أنها جزءا لا يتجزأ من “الصوابية السياسية” لتغيير التشريعات والقوانين، أو الدفاع عن الذين يتعرضون للتمييز والتنمر والتحرش في الحياة الواقعية. وهم يرون أن تعديل التشريعات وفرض العقوبات لا يكفي، ولا يصلح العادات والتقاليد الموروثة، إذا لم يصحبه إحداث تغيير ثقافي تساهم فيه المؤسسات التعليمية والإعلامية والمسؤولين عن إنتاج الفنون.

وهم يرون أيضا أن نظام “الحصص” وفرض تقديم أو “تمثيل” representation المضطهدين في وسائل الإعلام والأعمال الفنية أمر مهم جدا، لما لهذه الفنون من تأثير كبير يتجاوز دور الوعظ المباشر في المؤسسات الرسمية. وكذلك يرون أن ما تعرضت له الفئات المضطهدة على مدار قرون متتالية يحتاج عدة عقود على الأقل حتى يمكن إصلاحه.

الأفكار النبيلة

لكن ذلك كله لا يمنع المرء من الانزعاج أحيانا، بسبب “التطبيق” الساذج أو المغرض لهذه الأفكار “النبيلة”، إذ يتخذها بعض الأفاقين وسيلة للوصول على حساب فنانين أكثر موهبة، كما يتخذها البعض وسيلة للابتزاز لدفع نفسه وأعماله المتواضعة، أو لتهديد شخص آخر والإساءة إليه، بحجة أنه “عنصري” لا يمتثل لنظام “الكوتة” أو لـ”الموضة”، ومن أغرب ما سمعت مؤخرا اتهام كل من الأمريكيين الإفريقيين سبايك لي وأنجيلا باسيت للمخرج والمؤلف والممثل الكبير وودي ألن بأنه عنصري ضد السود، لأنه لا يكتب لهم شخصيات، ولا يستعين بهم في تمثيل أفلامه. وأي شخص شاهد أعمال وودي ألن وسخريتها اللاذعة من كل أشكال التمييز والقمع لا يملك إلا الاندهاش والانزعاج أمام هذه الاتهامات السطحية.

وكما هو الحال دائما، نحن ندافع باستماتة عن المساواة والعدل والحرية، مع علمنا بأن كثيرا من الجرائم ترتكب باسم هذه القيم!

اقرأ أيضا

حسين القلا عن مقالات صناعة السينما: المقومات متوافرة.. والحلول أيضا

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر