جائزة نوبل.. وكتاب السيناريو

كنا نناقش مشكلة العلاقة المزمنة بين كاتب السيناريو والمخرج عندما قالت صديقتي، كاتبة السيناريو، متهللة، إن كتابة السيناريو أصبحت من المهن المؤهلة للحصول على جائزة نوبل في الآداب، وأن الجائزة ربما تذهب إلى كاتب سيناريو قريبا!هل هذا حقيقي؟ هل هو ممكن؟

من المبدع

على أي أساس يمكن أن تذهب الجائزة لسيناريو: النص الذي كتبه وسجله في الشهر العقاري وقام بتسليمه للشركة المنتجة؟، أم النص بعد أن تحول إلى فيلم وأجريت عليه عشرات التعديلات من قبل المنتج والمخرج والممثلين والمونتير؟

وماذا عن النصوص التي تكتب بواسطة ورش الكتابة؟ أو التي يكتبها المخرج والمؤلف معا؟ أو المنتج والمؤلف معا؟ أو بطل الفيلم والمؤلف معا؟

عن سائر الفنون، يختلف فن السينما في كونه عملا جماعيا لا يمكن نسب الفضل، أو الضعف، فيه لفرد واحد.

لقد جرت محاولات كثيرة منذ الخمسينيات لترسيخ المخرج باعتباره مبدع الفيلم الوحيد المسؤول عن كل جوانبه وعناصره، وابتكر النقاد الفرنسيون تعبير film auteur الذي يعني “مؤلف الفيلم”، لوصف عدد من كبار المخرجين أصحاب الأسلوب والبصمة المميزة.

نظرية المؤلف

.. لكن على أرض الواقع، لا تنطبق “نظرية المؤلف” سوى على نسبة ضئيلة للغاية من المخرجين. رغم أن جميعهم الآن يعتقدون أنها تنطبق عليهم. والغالبية العظمى من المخرجين، في الماضي والحاضر، هم مجرد موظفين في مصنع الفيلم. ربما يكون منصبهم أعلى من بقية الموظفين، ولديهم بعض الحرية في الابتكار ووضع لمساتهم الخاصة على المنتج. ولكن هذا ينطبق على مديري مصانع السيارات والهواتف المحمولة بشكل لا يقل أبدا عن مديري الأفلام. وكان صديقي الناقد مدحت محفوظ يصر على ترجمة كلمة director بالمدير أو الموجه!

وإذا كان الكثيرون يشككون في صحة “نظرية المؤلف”، ويصفونها بأنها ظاهرة مؤقتة ارتبطت ببعض الأسماء في منتصف القرن الماضي، وأن الطريقة التي كان يعمل بها هؤلاء المخرجون صارت شيئا نادرا الآن، وأنها لا تنطبق على أغلب ما ينتج من أعمال، حيث يوجد العشرات من “المستشارين” الذين يتدخلون بالنصح والتوجيه والأوامر أحيانا، للكتاب والمخرجين لكي يعدلوا أعمالهم وفقا للمعايير الفنية أو الإنتاجية التي يتطلبها السوق أو المهرجانات.

وإذا كانت نسبة الفيلم إلى المخرج أمر مشكوك فيه، فماذا عن كتاب السيناريو الذين لديهم نصيب أقل بكثير من التحكم في الشكل النهائي للعمل؟

تشويه

لقد أثار بعض كتاب السيناريو الشباب أزمة وجدلا كبيرا في وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي عندما اتهموا مخرج مسلسل “شقة 6” بأنه “شوه” نصهم، وقام بتغييره للأسوأ، وراحوا يروون تفاصيل من علاقتهم بالمخرج والصراع الذي نشب بينهم طوال فترة تصوير المسلسل. ومن ناحيته اتهمهم المخرج بعدم الكفاءة والرغبة في الظهور الإعلامي، خاصة بعد أن قرر أن يستعين بكتاب آخرين لكتابة الجزء الثاني من العمل.

لا يكاد يخلو عمل في مصر من مشاكل من هذا النوع، حتى لو لم يخرج معظمها إلى العلن، ولا تخلو الأعمال الأجنبية أيضا من مثلها. ولكن هناك من يعملون على معالجة هذه المشاكل والحد من حدوثها. وهناك وسيلتين على الأقل تساعدان على ذلك: الأولى تتعلق بالعقود المبرمة بين أطراف العمل والتي تحدد صلاحيات وحدود كل طرف. هناك كتاب سيناريو يشترطون أن تقدم أعمالهم كما كتبوها، وألا يقوم المخرج أو المنتج بأية تعديلات غلا بعد الرجوع إليهم. وينطبق الأمر على عقود المخرج والممثلين، لتوسيع صلاحياتهم أو الحد منها حسب الاتفاق المبرم مع جهة الإنتاج.

صاحب الفكرة

الوسيلة الثانية هي تحديد أدق للوظائف المختلفة. هناك صاحب الفكرة، ويشار إليه في الأعمال الأمريكية بتعبير created by، الذي يعني صاحب الفكرة والمشروع الرئيسي. وأحيانا يكون هو كاتب السيناريو أو المخرج أو حتى الشركة المنتجة، وليس من حق أي طرف غيره أن يملك الفكرة الرئيسية للعمل. وقد سمعنا مؤخرا عن شركة إنتاج قامت بالاستيلاء على الفكرة من صاحبها بعد انتهاء الموسم الأول للمسلسل، وعهدت بالموسم الثاني لأشخاص آخرين. ويحدث هذا لأن طبيعة عمله غير محددة بوضوح ولأن العقد مع الشركة المنتجة لم يتطرق لاحتمال انفصال الطرفين بعد الموسم الأول.

بعد صاحب الفكرة هناك كاتب السيناريو، وكاتب الحوار، ويمكن أن يكون هناك مساعد أو أكثر لهؤلاء.  وكل منهم لديه حقوق وفقا لحجم ونوع دوره. وربما يقوم شخص واحد بكل هذه المهام بمفرده، وعلى العكس بالنسبة لورش السيناريو ليس من حق أي مشارك فيها أن يفرض ما يكتبه، لأن المشرف على الورشة هو صاحب الكلمة النهائية.. وهكذا

تشريعات جديدة

ويفترض أن تكون غرفة صناعة السينما والنقابات الفنية قدرة على حل هذه المشاكل. ولكن في معظم الحالات لا يستطيعون ذلك بسبب غموض وسطحية العقود وعدم فهم التخصصات المختلفة في الكتابة. ومرة أخرى يفكر المرء في ضرورة وجود كيان أو مؤسسة تهتم بشئون السينما تقوم بوضع تشريعات جديدة ونماذج للعقود ووسائل لحل النزاعات التي يمكن أن تنشأ. وحتى يحدث هذا سنظل نسمع كل يوم عن خلافات ومعارك المنتجين والمخرجين وكتاب السيناريو.

 

اقرأ ايضا:

«نقطة التحول»..الوثائقي الأفضل عن الحادي عشر من سبتمبر

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر