ظهر في لندن.. تابوت مصري نادر يثير التساؤلات حول بيعه في 2013

تابوت أميرة مصرية نادر، يُقدر عمره بـ3 آلاف عام، ظهر لأول مرة في معرض مؤقت في لندن في أكتوبر الماضي، ومن المقرر ظهوره مجددا في معرض بمتحف «فيكتوريا وألبرت» في فبراير المقبل. وقد أثار ظهور التابوت الكثير من التساؤلات حول تاريخه وسبب اختفائه طوال هذه السنوات، وكذلك سبب بيعه علنا لأول مرة في عام 2013.
الأميرة سوبدت إم هاووت
يعود التابوت المصري إلى الأميرة سوبديت إم هاوت. وتم عرضه لأول مرة في المملكة المتحدة، في معرض “فريز ماسترز” في ريجنتس بارك بلندن بشكل مؤقت، ما أتاح للجمهور الفرصة للاطلاع عليه. وفقًا لموقع “لندن وورلد”، يرجع تاريخ التابوت إلى أواخر الأسرة الخامسة والعشرين وأوائل الأسرة السادسة والعشرين في مصر القديمة.
هذا التابوت الخشبي الفاخر قدمته شركة “ديفيد آرون” المحدودة. وأعيد اكتشافه أثناء أعمال الترميم في عام 2014 بعد أن ظل مغلقًا لمدة قرنين تقريبًا. ولم يتم الإعلان عن تفاصيل اكتشافه ومصدره ونسبه إلا مؤخرًا عند فتح التابوت لأول مرة منذ قرنين من الزمان في عام 2014 أثناء الترميم. وقد تم عرض هذه القطعة الأثرية النادرة والمحفوظة في متحف الفنون الجميلة في هيوستن بالولايات المتحدة لمدة ست سنوات.
ظهور جديد
من المقرر أن يظهر تابوت الأميرة مجددا ضمن فعاليات معرض للشباب يضم 200 قطعة. سيتم الترويج للمعرض بوصف تابوت الأميرة سوبدت أنه القطعة الأهم في المعرض، حيث يقدر عمره بـ3 آلاف عام ويبلغ ارتفاعه 2 متر وقيمته تقدر بملايين الدولارات.فيما سيحمل المعرض عنوان “صُنع مصر” وسيتم تقسيمه إلى 3 أقسام: “رواية القصص”، “التواصل”، و”التصنيع”. في القسم الثاني، “التواصل”، سيتم عرض التابوت لمناقشة دور الكتابة والرسم فيما يتعلق بالحياة الآخرة.
وصف موقع “لندن وورلد” التابوت بأنه يتميز بالتصاميم الملونة وغطاء الرأس على هيئة نسر، بالإضافة إلى تصوير الأميرة مزينة برموز ملكية وحامية. فيما يرى الخبراء أن هذه القطعة تقدم لمحة فريدة عن براعة الحرفيين في طيبة، مما يساهم في تحديد تاريخ التابوت إلى نهاية الأسرة الخامسة والعشرين أو بداية الأسرة السادسة والعشرين.
كما وصف سالومون آرون، مدير شركة “ديفيد آرون” المحدودة، التابوت بأنه قطعة فريدة من نوعها. تأسست الشركة عام 1910 وتعد من أبرز المعارض المتخصصة في الآثار، وخاصة في الفن المصري واليوناني والروماني.

بيع في مزاد دار سوثبيز
في نيويورك عام 2013، تم بيع هذا التابوت علنا في مزاد دار سوثبيز للمزادات، وهو ما يرتبط بالآثار المُباعة بعد ثورة 2011. تقول د. مونيكا حنا، أستاذ الآثار والتراث: “هناك قطع أثرية تُباع وحاولنا إيقاف بيعها، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء. من المفترض أن يكون هناك ضغط سياسي حقيقي، والبلدان التي تبيع الآثار تمتلك بعثات تعمل لدينا. وهذا يحتاج إلى دعم مادي، معنوي، سياسي وتقني لتمكين الجهات المعنية من أداء دور حقيقي”.
وتابعت في تصريحات خاصة لـ«باب مصر»: بعض الدول تتعامل مع الموضوع بتساهل، ويعتقدون أن لدينا الكثير من الآثار، فماذا سنفعل بها؟ يجب أن يُتعامل مع هذا الموضوع بجدية أكبر. نحن بحاجة إلى شرطة مصرية متخصصة في إدارة التراث، وكذلك التنسيق مع الأجهزة العاملة خارج مصر، وأيضًا التركيز على مكافحة غسيل الأموال والآثار.
تاريخ ملكية تابوت الأميرة المصرية
وفقا لموقع دار مزادات سوثبيز، فإن بيانات المنشأ الخاصة بالتابوت ترجع إلى القرن التاسع عشر. ويرجح أن يكون التابوت قد أتى من مدينة هيراكليوبوليس الكبرى في مصر أو من مقبرة طيبة في الشيخ عبد القرنة بصعيد مصر. سجلها روبرت هاي (1799 – 1863) في القرنة قبل عام 1834. ومن ثم انتقلت عبر عدة مجموعات فرنسية خاصة، وتم الحصول عليها عن طريق النسب المباشر إلى المالك الحالي.
يصف موقع “لندن وورلد” التابوت بأنه يتميز بتصميماته وألوانه الزاهية ورسوماته المعقدة، وأنه ظل معروضا لمدة 6 سنوات في متحف الفنون الجميلة في هيوستن. ويستكمل وصف رحلة التابوت: “تضفي رحلة التابوت الطويلة بين المجموعات الخاصة طابعًا من الغموض على تاريخه. فقد أصبح جزءًا من مجموعة جول كزافييه ساجويز دي بروفيري في عام 1834. ثم انتقل عبر العديد من الأيدي قبل أن يُباع في دار سوثبي للمزادات في نيويورك في عام 2013”. وبرغم سرد تاريخ ملكيته الذي يتجاوز 150 عاما. إلا أنه لم يخضع للترميم ولم يتم فتحه إلا في عام 2014 خلال بدء أعمال ترميم التابوت.

ملاحظة مكتوبة
واكتشف القائمون على المشروع داخل التابوت المزخرف باللونين الأصفر والأبيض ورقة ملاحظة مكتوبة بقلم رصاص تعود إلى عام 1834. حتى الآن، كان التابوت الحالي معروفًا فقط من خلال رسم للعمود المركزي للنقش، الذي حمل عنوان “نقوش على علبة مومياء”. وهو محفوظ في دفاتر عالم المصريات الشهير روبرت هاي (المكتبة البريطانية، Add.MSS. 29827 f. 83v: Graefe، المرجع نفسه، الصورة 8a). تم تأكيد وجود التابوت الذي نقش عليه هذا الرسم بعد ذلك في دفتر ملاحظات آخر، وكان جزءًا من مجموعة جيوفاني داثاناسي.
في عام 1818 قام هاي بزيارة الإسكندرية لأول مرة عندما كان ضابطًا في البحرية. ثم عاد إلى مصر بين عامي 1824 و1828، وأخيرًا بين عامي 1829 و1834. ويستكمل الموقع، أنه بعد وفاته، تم بيع جزء من مجموعته، والذي كان يضم أساسًا البرديات والأشياء الصغيرة، إلى المتحف البريطاني في عام 1868. أما باقي المجموعة فتم بيعها إلى C. Granville Way، الذي تبرع بها ابنه إلى متحف الفنون الجميلة في بوسطن في عام 1872 (WR Dawson وEP Uphill)، “من كان من في علم المصريات”، لندن، 1995، ص194.
ظهور سابق
وفقا لموقع “آرتسي” تم عرض القطعة في معرض آخر يحمل عنوان “النحت القديم والقبلي” في متحف “Pace Primitive” بنيويورك في الفترة من 5 إلى 21 مايو 2016. وقدم المعرض حينها تفسيرا لكثرة الكتابات المدونة على التابوت، بأنه يعود إلى الأسرة الثالثة والعشرين (حوالي 825-730 قبل الميلاد)، ويبلغ ارتفاعه مترين. كان يحتوي على رفات الأميرة سوبديت إم هاوت. وخلال تلك الفترة، كانت السلطة السياسية في مصر قد تفرقت. وكان والد الأميرة سوبديت واحدًا من عدة ملوك حكموا مناطق صغيرة على طول نهر النيل. وقد أسفر عدم الاستقرار السياسي عن توقف بناء المقابر الملكية، لذا تم وضع الكتابات التي كانت عادة تُكتب على جدران المقابر مباشرة على التابوت نفسه.
من هي الأميرة سوبدت إم هاوت؟
بحسب موقع دار مزادات “سوثبي” فإن التابوت الداخلي من الخشب متعدد الألوان مصري للأميرة سوبدت إم هاوت، ابنة بفت جواوي باست، الملك الليبي لنن نسوت (إهناسيا الكبرى). ويرجع إلى أوائل الأسرة الثالثة والعشرين، أواخر القرن الثامن قبل الميلاد. وتم بيعه في عام 2013 بمبلغ 150 ألف دولار أمريكي. ويقدم وصفا للتابوت بأنه يمثل الأميرة ترتدي صدرية مجنحة على شكل شخصية راكعة لإلهة السماء نوت. وياقة عريضة من الخرز، وباروكة شعر ثلاثية ضخمة من تجعيدات مستطيلة متدرجة يعلوها غطاء رأس نسر.
ويتابع الوصف: “وجهها المنحوت بدقة مع شفتين ممتلئتين مدورتين عند الزوايا، وعينين لوزيتي الشكل، وحواجب نحيلة مدببة. والجسم والعمود الخلفي كثيفان بخطوط وأعمدة من النقوش، وعينين مقلوبتين لحورس على القدمين. وإلهة مجنحة راكعة على مقدمة القاعدة، وتحت القاعدة ثور أبيس راكع يحمل مومياء المتوفي”. أما ترجمة العمود الرئيسي من الكتابات في المقدمة: “سيدة البيت الجليلة سوبدت-إم-هاوت، صادقة الصوت وحاملة معاش. ابنة سيد الأرضين، بفت-جاوي-باستيت، صادقة الصوت. والدتها إير-باستيت-ودجا-نينفو، صادقة الصوت، ابنة سيد الأرضين، رودآمون، صادقة”. ويستكمل الوصف: “التابوت بالكامل متسخ للغاية، وخاصة الأجزاء المواجهة للأعلى مثل تاج الرأس والكتف وأعلى القدمين”.
وبحسب بحث عن المعبودة سوبدت في مصر القديمة لمنى علي بكلية السياحة والفنادق جامعة المنصورة، فإن سوبدت هي الإلهة النجمية في الديانة المصرية القديمة. ويتابع البحث: كانت تمثل ألمع نجم في السماء الجنوبية، وتحديدًا نجمة الكلب سيريوس. وكانت تعرف في الثقافة الإغريقية باسم “سوثيس”. ويستكمل: “منذ الأسرة الأولى، ارتبطت سوبدت بتنبؤات هامة، حيث كانت تعتبر إلهة تتنبأ بقدوم العام الجديد وبفيضانات نهر النيل”. وكان ظهورها يتزامن مع بداية العام المصري القديم، مما جعلها تلقب بـ”سيدة كل النجوم”، لكونها تسبق جميع النجوم في الظهور.
من هو ديفيد آرون؟
التابوت في حوزة شركة ديفيد آرون المحدودة، وتأسست هذه الصالة في إيران عام 1910. واكتسبت شهرة واسعة في عشرينيات القرن العشرين عندما افتتح سليمان هارون (1890-1976) صالة عرض ثانية في الإسكندرية بمصر. وفي عام 1980، انتقلت الصالة إلى لندن، وافتتح ديفيد هارون، الابن الأصغر لسليمان، معرضه الخاص في ساحة بيركلي عام 1998. وبحسب موقع “grapevinelondon”، تدير شركة ديفيد آرون المحدودة حاليًا الأجيال الثالثة والرابعة من عائلة آرون، ولها صالة عرض تقع في لندن.
وتتخصص المعارض في الأعمال الفنية الكلاسيكية اليونانية والرومانية والمصرية والشرق الأدنى والإسلامية. وتعرض المعارض سنويًا في معارض فنية دولية عالية الجودة (بما في ذلك Tefaf وMasterpiece وFrieze Masters وFrieze Seoul وFine Art Asia وGuardian Fine Art وغيرها). ولعبت دورًا في مساعدة المتاحف الكبرى والمجموعات الخاصة في اقتناء الآثار. مثل متحف متروبوليتان للفنون ومتحف جيه بول جيتي ومتحف اللوفر أبو ظبي. ومتحف آغا خان ومجموعة ديفيد للفن الإسلامي ومتحف ميهو ومتحف Glyptothek Munich ومتحف يوركشاير ومتحف كورنينج.