بعد انسحاب المرشحة المكسيكية.. «العناني» يقترب من قيادة اليونسكو

أعلنت المرشحة المكسيكية لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، غابريلا راموس، انسحابها رسميًا من سباق الترشح، وذلك عبر منشور على «لينكد إن». ويرى مراقبون أن انسحاب راموس لم يكن قرارًا شخصيًا، بقدر ما جاء نتيجة تعقيدات داخلية وحسابات دقيقة تحيط بعمل المنظمة الدولية المأزومة. وبذلك أصبح المرشح المصري، خالد العناني، الأوفر حظًا لقيادة المنظمة، مدعومًا بتحالفات إقليمية ودولية واسعة، ما عزز مكانته بعد خروج منافسته الرئيسية.
خلفيات الانسحاب
لم يكن انسحاب راموس أمرًا مفاجئًا، فالأسباب المعلنة التي وردت في خطابها بـ«تعزيز الوحدة بين الأعضاء وتقوية المنظمة»، بمثابة غطاء دبلوماسي يخفي أسبابا أعمق. ورغم عدم إعلانها للأسباب الحقيقية وراء انسحابها، إلا أن ما جرى خلال الأشهر الماضية يكشف الكثير من التفاصيل. فقد تم إجراء تحقيق داخلي في اليونسكو ضدها بشأن مزاعم سوء سلوك، ما أضعف موقفها بشكل كبير. كما أن أجندتها التقدمية التي ركزت على قضايا مثل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والمساواة الجندرية. جعلت ترشيحها مصدرًا للانقسام في ظل نظام عالمي يشهد توترات كبيرة. خاصة مع انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة تحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتشير تقديرات إلى أن الانسحاب ـ ربما ـ جاء بمثابة تسوية دبلوماسية استراتيجية لتجنب خسارة محتملة، ولضمان استمرار نفوذ المكسيك عبر توحيد الصفوف خلف مرشح يتمتع بفرص أكبر.
تقرير الفساد
وفقًا لمؤسسة «إينر سيتي» المعنية بالكشف عن قضايا الفساد وحقوق الإنسان في العالم، جاء انسحاب راموس عقب تحقيق داخلي أجراه مكتب الرقابة الداخلية في اليونسكو، ووفقًا للتقرير الرسمي للمنظمة، فقد وجدت النتائج أن راموس مارست «سوء السلوك والتحرش» ضد موظفيها. كما قامت المدير العام الحالي، أودري أزولاي، بحماية راموس، وتعمدت تأخير الكشف عن نتائج التقرير إلى ما بعد الموعد النهائي للترشح، مما سمح لها بالمنافسة.
هذا التقرير، الذي أصبح متاحًا للسلطات المكسيكية، كشف عن «الفرص الضئيلة للنجاح» في السباق، ما دفع المكسيك إلى اتخاذ قرار الانسحاب لتجنب وضع معقد.
بداية النهاية
تعود أسباب المشكلة حيث منحت راموس من قطاع الخدمات الاجتماعية والصحية تفويضًا من المديرة العامة لمنظمة اليونسكو أودري أزولاي لممارسة سيطرة كاملة على الموظفين. بما في ذلك الترهيب والمضايقة التي تجبرهم على الخوف والطاعة. ولسنوات لم تتخذ أزولاي أي إجراء ضدها، واستمرت في حمايتها من شكاوى موظفيها إلى قسم الأخلاقيات ومكتب خدمات الرقابة الداخلية.
التمهيد للطرد من المؤسسة
لكن في يناير 2024، بدأ مكتب خدمات الرقابة الداخلية تحقيقًا رسميًا ضد غابرييلا راموس بتهمة سوء السلوك والمضايقة. أنهى مكتب خدمات الرقابة الداخلية تقريره رقم (2024/02) الصادر في ديسمبر 2024. وقدمه إلى المديرة العامة أودري أزولاي لاتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة. لكن المديرة العامة أزولاي لم تقم بإعادة النظر في التقرير، منتظرة بوضوح الموعد النهائي في 15 مارس 2025. للسماح لغابرييلا راموس بالترشح لخلافتها في منصب المديرة العامة لليونسكو. وذلك رغم علمها أن تقرير مكتب خدمات الرقابة الداخلية كان واضحا بشأن ممارسات التحرش المثبتة التي مارستها غابرييلا راموس. وهو الأمر الذي كان من المفترض أن يمهد لطردها من المنظمة الدولية لسوء السلوك.
وهنا كانت المفاجأة إذ وفقًا للتقارير الدولية فقد انسحبت راموس بعد مفاوضات من جانب المكسيك ومصر في الأمم المتحدة بنيويورك بشأن الدعم المتبادل. إذ تشير التقارير المكسيكية والعالمية أن انسحاب المكسيك من السباق لم يكن فشلًا بل جزءًا من صفقة سياسية براجماتية. لضمان استمرار نفوذها وتجنب مواجهة محتملة مع العناني، الذي كان يحظى بدعم متزايد.
وفي رسالة مؤرخة 21 أغسطس، وجهها إنريكي أوتشوا وهو اقتصادي وسياسي ومحامي مكسيكي إلى رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو، أبلغ رسميًا بهذا الانسحاب. حيث كان من اللافت في قرار الاستقالة جملة «من أجل تعزيز الوحدة بين الأعضاء وتقوية المنظمة». وهو ما يعني أن السلطات المكسيكية ربما أدركت في النهاية حقيقة أن المنظمة يتم تعزيزها وستكون مكانًا أفضل بدون غابريلا راموس.

خطاب راموس
قالت راموس في خطابها: «بشعور عميق بالامتنان والمسؤولية، أعلن سحب ترشيحي من سباق منصب المدير العام لليونسكو. بالتنسيق الوثيق مع حكومة المكسيك. إذ خلص إلى أن هذه اللحظة تتطلب إظهار الوحدة والتضامن، حيث تواجه اليونسكو -ومنظومة الأمم المتحدة- إحدى أكثر الفترات تعقيدًا منذ تأسيسها».
وأضافت أن تمثيل المكسيك كمرشحتها يعد واحدًا من أعظم تكريمات مسيرتها المهنية. «كان التواصل مع القادة والمجتمعات حول العالم -بالتعاون مع السلك الدبلوماسي المكسيكي وجميع من يشاركوننا رؤية يونسكو شاملة، مبتكرة، ومؤثرة- شرفًا وإلهامًا في نفس الوقت».
كما أعلنت راموس تقديرها للدول التي قدمت لها الدعم. وللمؤسسات والزملاء والأصدقاء في جميع أنحاء العالم الذين جعلوا هذه الرحلة ممكنة. وأضافت: على مدار السنوات الخمس الماضية كمديرة مساعدة، شهدت القوة التحويلية لليونسكو. من خلال اتفاقيات رائدة حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتقنية الأعصاب. إلى تعزيز الروابط بين العلوم والسياسات، وحماية الثقافة والتعليم في الأزمات. والنهوض بالثقافة كمنفعة عامة، وتعزيز العمل ضد العنصرية والتمييز، والمساهمة في إدارة أفضل للبيئة. لذلك أثق أن المنظمة ستستمر في التغلب على الاستقطاب وستعمل كجسر بين الأمم من خلال تفويضها الفريد.
واختتمت: أتمنى للمرشح الذي سيتم انتخابه كل التوفيق. وأؤكد من جديد التزامي بمواصلة دعم مهمة اليونسكو وبناء نظام متعدد الأطراف أقوى وأكثر فعالية.
فرص المرشحين
يقتصر الآن سباق الوصول لكرسي اليونسكو على المرشحين المتبقيين، خالد العناني من مصر، وفيرمين إدوار ماتوكو من الكونغو (من المتوقع انسحابه أيضًا) إذ يتمتع كلاهما بخلفية مهنية تمنح كلاهما قوة مختلفة.
يشغل ماتوكو منصب نائب المدير العام لليونسكو لشؤون إفريقيا والعلاقات الخارجية. وتعتبر خبرته الداخلية الطويلة في المنظمة إحدى نقاط قوته الرئيسية، مما يجعله خيارًا يمثل الاستمرارية والاستقرار في نظر العديد من الدول الأعضاء والموظفين داخل اليونسكو.
فرص خالد العناني
بينما يلقى خالد العناني، وزير السياحة والآثار المصري السابق، دعما عربيا كبيرا وذلك بعد اعتماده من قبل مجلس وزراء الخارجية العرب في سبتمبر 2023. إذ تركز رؤيته المعلنة على جعل اليونسكو «منظمة للجميع» عبر نهج شمولي، وقد قام بحملة دبلوماسية نشطة شملت زيارة العديد من دول العالم. ويعد العناني المرشح الأوفر حظا للفوز بالمنصب بعد انسحاب غابرييلا راموس. هذا التفضيل لا يعتمد على المؤهلات الشخصية فقط، بل على بناء تحالف استراتيجي ناجح، فقد قام العناني بتأمين دعم واسع تجاوز الحدود الإقليمية التقليدية. إذ بالإضافة إلى تأييد الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، فقد حصل على دعم علني من قوى عالمية مؤثرة.
وتشير التقارير إلى دعم صريح من دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وإسبانيا، فضلاً عن تأييد روسيا ودول آسيوية. هذا النمط من حشد الدعم من كتل سياسية وجغرافية متباينة تشير أن حملته الانتخابية قامت في الأساس على دبلوماسية تجاوزت الانقسامات الجيوسياسية التقليدية في العالم. إذ يمنحه هذا التحالف الواسع ميزة حاسمة، ما يجعله مرشحًا توافقيًا قادرًا على توحيد الأصوات المتباينة داخل المنظمة.
اقرأ أيضا:
وعود خالد العناني في «اليونسكو»: الحفاظ على التراث وحرية التعبير وحماية حقوق الصحفيين
بعد أزمة دير سانت كاترين.. هل خسر «خالد العناني» معركة اليونسكو؟
منافسان جديدان على منصب مدير «اليونسكو».. هل ضاعت فرصة خالد العناني؟