عرض رواية أرجوحة النفس لهيرتا موللر

كتب – مارك أمجد

توطئة

كثيرة هي الأعمال التي تناولت أحداث الحرب العالمية الثانية، فصورت معتقلات النازيين ومعاناة أسرى دول الحلفاء داخلها. لكننا هذه المرة أمام رواية متفردة من جميع الجهات، فهي أولا تدور داخل معسكرات ستالين التي اعتقلوا فيها المواطنين الألمان وحاسبوهم على جرائم هتلر كأنهم المتسببون فيها. ثانيا رغم أن المؤلفة امرأة إلا أنها خرجت من بوتقة السرد النسائي وقررت أن تروي قصتها بأكملها على لسان أسير مثلي الجنس داخل معتقلات الاتحاد السوفييتي.

الحبكة

تدور الرواية حول مواطن روماني وقت الحرب العالمية، ومن المعروف أن رومانيا ساندت ألمانيا طوال الحرب حتى وقت ما. لكن العقدة تبدأ حينما يتم اعتقال البطل وشحنه مع غيره من آلاف المعتقلين لمعتقلات روسيا القابعة في الغابات الثلجية، هناك حيث تهبط درجة الحرارة عن الصفر بدرجات عديدة.
وفي المعتقل يصف البطل تفاصيل في غاية الدقة والمأساوية كموت نساء سجينات وهن يقمن بصب الأسمنت فيسقطن هن أنفسهن فيه ويغطي رؤوسهن دون أن يتجرأ أحد على مد يده لهن. يتجمد فوقهن الأسمنت مشكلا قبورا لهن دون أدنى عناء من القائمين على المعتقل. يصف الأسرّة في العنابر وأنواع الأطعمة والملابس التي كانت تحيكها النساء من الحبال بعدما ذبلت بذلات المعسكر على أجساد الجميع. قسوة الروس التي لا تقل حدة عن النازيين والتعامل مع أسرى الألمان والرومان على أنهم حيوانات مستعبدة مسخرة لخدمة حكومة ستالين حتى تأتي نهاية لهذه الحرب.

الأسلوب

تتسم أعمال هيرتا موللر بشكل عام بعدة أشياء، منها تراكم الحكاية رويدا رويدا من أول سطر في أول فصل، حتى تختمر الحبكة في ذهن القارئ على مدار الفصول، وتصير هناك صلة ما تربطه بأحداث الرواية وأجوائها. أيضا أسلوب السرد البسيط الشاعري في معظم الأحيان لدرجة تجعلك تعتقد وكأن الرواية عبارة عن قصيدة طويلة، وهذا الجانب بالذات تؤكده الجُمل ذات الإيقاع التي تعتمد عليها المؤلفة في نهاية كل فصل. ولعل المثال الأبرز من أعمال موللر على براعة اللغة هو روايتها “كان الثعلب يومها هو الصياد”.
 

مقاطع من الكتاب

حين أعطانا الشرطي الروماني بطاقات العبور إلى الوطن، شعرت أني أملك في يدي الآن وداع المعسكر وشهقت بالبكاء. لم تستمر الرحلة أكثر من عشر ساعات من المعسكر حتى وصولي إلى البيت، بدلنا خلالها القطار مرتين. مرة في بايامار وأخرى في كلاوزن بورغ. كانت مغنيتنا “لوني” ملتصقة بالمحامي باول غاست، حدقت بي هامسة، وأنا فهمت كل كلمة قالتها.
ولأن سوقها يومذاك إلى المعسكر يذكّر بماضي رومانيا الفاشي فقد أصبح الموضوع كله فيما بعد تابو. ولم يكن يتحدث أحد عن سنوات العمل في تلك المعسكرات إلا ضمن نطاق العائلة أو الموثوق بهم من الذين خدموا فيها. وحتى في تلك الأوساط لم يكن الحديث أكثر من بعض التلميحات من هنا وهناك. تلك الأحاديث المسروقة رافقت طفولتي، رغم أني يومئذ لم أفهم مغزاها ومحتواها، لكن رائحة الخوف فيها وصلتني.
 

هيرتا موللر

ولدت الكاتبة هيرتا موللر عام 1953 في رومانيا. انتقلت إلى ألمانيا عام 1987 لتعيش في برلين. عملت كمعلمة وأستاذة زائرة في جامعة توبنجن وجامعة برلين. كتبت القصة والشعر والرواية وترجمت أيضا. حصلت على العديد من الجوائز الأدبية مثل جائزة مارابالوزبا فلايسير، وجائزة رياكردا هوخ، وبرلين الأدبية، وفورث للأدب الأوروبي، وأخيرا نوبل للآداب عام 2009.

الكتاب

الرواية صادرة باللغة العربية في 268 صفحة من القطع المتوسط عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث طبعة أولى عام 2009، من ترجمة وحيد نادر، وهو كاتب سوري يعيش في ألمانية ويكتب الشعر باللغة الألمانية وعضو في اتحاد الكتّاب بمدينة ماجديبورغ.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر