في وثيقة نادرة.. من “الصياد” إلى “الكلحي”: أنا وأنت ببلواه غريقان

“دمعتي في ليلة الأربعين على فقد الشباب والوطن… بعد التحية” هذا ما تذكره وثيقة قديمة لونها أصفر كتبها حامد الصياد، أحد قضاة المحاكم الأهلية بأسيوط، أحد أعيان قرية النزيلة ببخانس أبوتشت في فترة ما بعد 1921.

الوثيقة التي ترجع إلى عام 1931، هي قصيدة رثاء فؤاد نجل حافظ بك الكلحي، صديق الصياد، بعد استشهاده في السودان، إذ كان ضابطًا في الجيش المصري.

جاء بالوثيقة، وهي قصيدة بخط يد الصياد، ألقيت في ليلة الأربعين، “دمعتي في ليلة الأربعين علي فقيد الشباب والوطن، المغفور له فؤاد أفندي حافظ… واحر قلباه، ولاحول ولا قوة إلا بالله، أتأفل الشمس في رائعة النهار؟ وتكشف إبان تكاملها الأقمار، أتذبل الزهور قبل أن تتفتح من أكمامها؟ إلى متى الأيام تسقينا مرير آلامها؟”.

ثم يتابع “مات فؤاد فتقطعت الأحشاء والأكباد، وتوارى الشباب الطهور، في طي القبور، فسيلي أيتها الدموع، وأحترقي أيتها الضلوع، وأنهمري أيتها العبرات، والتهبي أيتها الذوات فقد مات أعز من مات، مات فؤاد، فوا أسفي علي نجم هوى، وغصن ذرى، وأدب انقضى، وكرم أخلاق مضى، فأذاقنا مر الفضا، خذي بي أيتها المآقي، وهاتي الدمع إن كان باقي”.

بعد هذه الجملة التي زُينت بالسجع حزنًا على فراق نجل صديقه، يبدأ الصياد قصيدته قائلًا:

يا عين جودي بدمع منك هتانِ .. عساه يطفئ من نيران أحزاني

النار نشبت بأحشائي وفي كبدي .. حتى أخال بجوفي شبه بركانِ

قد سعَّر النارَ زَّوْلٌ لا مثيل له .. وآلم الكل من قاصٍ ومن دانِ

وزلزل القلب من خَطبٍ لُوّعت به .. وقد سرى سمه في كل شُريانِ

لما نعوا لي “فؤادًا” خِلتُ صاعقةً .. تنقضُّ فوقي وهدَّت كل أركاني

بُرعُومه لَمَى أكمامٍ وما انفتحت .. جنى الزمان عليها، ساء ذا الجاني

ثم عدد الصياد صفات وأخلاق فؤاد، وهو الضابط الشهم، حسن الخلق، ذاكرًا كيف تلقى خبر موته.

قضى “فؤاد” الذي في الجيش رايته .. كانت تتيه به في كل ميدانِ

قضي “فؤاد” الذي قد كان متصفًا .. بحسن خلق وأفضالٍ وإحسانِ

قضى “فؤاد” الذي من هول نكبته .. يبكيه من في قنا أو من بأسوان

لا بل ” فؤاد” الذي تبكي لفرقته .. كل الخلائق في مصر وسودان

الصياد عبر عن مدى حزنه وأسفه في قصيدته تلك، وارتباطه بحافظ بك ومدى صداقتهما، ومشاركته حزنه علي فقد الابن، ويظهر ذلك في الألفاظ التي استخدمها كثيرًا مثل “رزء” وهي الحزن الشديد، وسلوان ونيران وغير ذلك، ثم يختم بالدعاء للفقيد.

يا حافظا لم تكن في الرزء منفردًا .. أنا وأنت ببلواه غريقانِ

فهل أعزي جميع الناس أنهمُ ..مثلي في رزءٍ ونيرانِ

يا رب هبنا اصطبارا منك يشملنا .. عسى بذلك نلقي بعض سلوانِ

وارحم” فؤادًا” فقيد الكل قاطبة . وأسكنه يارب في جنات رضوانِ

محمد الصياد، والذي أطلق عليه بعض أهل قريته “الأمير”، كان من أوائل من نقلوا العلم لقريته فأنشاء في عام 1930 مدرسة إلزامية نجع النزيلة، والتي تحولت إلى “الإلزامية المشتركة”، وأخيرًا تحولت إلى مدرسة وحدة الصياد الابتدائية المشتركة حاليًا.

الوثيقى كاملة
الوثيقى كاملة
مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر