التشكيلية «نيفين ناثان»: أعمالي تجسد المرأة.. ووراء كل تمثال قصة حقيقية| حوار

منذ 5 سنوات اتخذت التشكيلية «نيفين ناثان» وزوجها من منزلهما «بيت الجزيرة» صالونا شهريا وملتقى لكل الفنانين والأصدقاء، للعمل معا والتسامر أيضا في الطبيعة الهادئة. «ناثان» نحاتة من نوع خاص تولي المرأة اهتماما كبيرا وتبرزها في كل أعمالها الفنية.. «باب مصر» يتعرف على رحلتها في الحوار التالي..

متى اكتشفتٍ موهبتك الفنية؟

كانت بداية تعرفي على الرسم والألوان في المرحلة الإعدادية. على يد إحدى الراهبات الأجانب في كنيسة المعادي التي كنت أتردد عليها. إذ كانت هذه الراهبة مسؤولة عن مجموعة من الأولاد والبنات لتعليهم الرسم. وخاصة رسم الأيقونات القبطية، وكانت تحضر إلينا الألوان الزيتية والفرش والأقلام وغيرها.

في إحدى المرات أحضرت إلينا الراهبة إحدى الأيقونات لنقوم برسمها، عن طريق النقل أو التقليد. حتى نتعلم منها وفي نفس الوقت تكتشف من لديه منا الموهبة. وبالفعل شعرت بانجذاب كامل، لدرجة أنني كنت أجلس بالساعات للرسم. وكنت أجد نفسي سعيدة، بعد أن أنهيت الأيقونة الخاصة بي احتفظت بها في منزلي. لكن للأسف سافرت الراهبة إلى بلدها وتوقفت أنا عن الرسم وانشغلت بدراستي.

ومتى بدأتٍ العمل بشكل احترافي؟ ولماذا التحقتٍ بقسم الدراسات الحرة بكلية الفنون؟

بدأت عملي الفني في وقت متأخر، حيث تزوجت من الفنان التشكيلي ناثان دوس. ثم انشغلت بعملي بوزارة التضامن، وتربية أولادي، لكن الزواج من فنان تشكيلي أتاح لي فرصة أن أمضي الكثير من الوقت بداخل المرسم الخاص به. وأصبح المكان المفضل بالنسبة لي.

أحسست برغبة عارمة في أن أعبر عما بداخلي، خاصة أنه كان لدي وقت فراغ بعد انتهاء عملي. إضافة إلى بقائي ساعات طويلة في المرسم مع زوجي. لذلك قررت تعلم الفن بشكل صحيح، والتحقت بقسم الدراسات الحرة بكلية الفنون الجميلة قسم النحت. وطوال فترة دراستي لم أخبر أحدا أنني زوجة الفنان والنحات ناثان دوس.

لكن بالرغم من دراستي بقسم الدراسات الحرة، اكتشفت أنني لم أستفد منها بشكل كبير. فقد كانت الدراسة تقليدية لا تهتم بالابتكار أو الموهبة الداخلية للفنان. إلا أنني تمكنت من كسر خوفي في دخول المجال الفني. كنت مترددة بعض الشيء في البداية.

هل تذكرين أول عمل نحتي لك، وكيف كان شعورك وقتها عند عرضه على الجمهور؟

أول عمل نحتي لي كان عبارة عن فتاة تركب على دراجة. أنا بالفعل أحب ركوب الدراجات، قمت بنحت التمثال من خامة الشمع، ونشرت صورته على صفحتي على فيسبوك، وكان هناك معرض جماعي بدار الأوبرا. وبالمصادفة رأت مسؤولة المعرض التمثال وطلبت مني المشاركة في المعرض بهذا التمثال، تفاجأت حينها بالعرض. خاصة أن التمثال من الشمع سهل الكسر كونه لين للغاية، وهي مرحلة أولى قبل سبكه وتحويله إلى تمثال من البرونز، والتي تحتاج إلى 20 يوم على الأقل. ولأن المدة الباقية على افتتاح المعرض كانت ثلاثة أيام فقط قمت بتلوين التمثال باللون الذهبي، وتم عرضه بهذه الحالة.

لم أكن أتخيل أن يكون المعرض بهذا الحجم خاصة أن تلك هي المرة الأولى لي. وفاجأني إعجاب الجمهور بالتمثال وأخذ الصور التذكارية بجواره من قبل وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية التي افتتحت المعرض لم أتخيل هذا النجاح، لكن هذه المشاركة أنهت بداخلي الخوف تماما.

تمثال فتاة تركب على دراجة
تمثال فتاة تركب على دراجة
جميع أعمالك خاصة بالمرأة فهل هذا مقصود؟ ولماذا؟

بالفعل جميع أعمالي خاصة بالمرأة، وكل ما يخصها. فأنا كامرأة أعاني من أشياء كثيرة في مجتمعنا الشرقي، من العادات والتقاليد والموروثات التي غالبا تؤثر على المرأة بالسلب ولا تنصفها. بالإضافة للضغوط النفسية والمجتمعية التي لا حصر لها، حتى تمثال الدراجة والفتاة التي تركبها فهي بالرغم من أنها تمارس نوع من الرياضة. لكنها لا تمارس حريتها كما تريد فجاءت الفتاة منحنية على العجلة وكأنها تتوارى عن نظرات الناس.

هل انعكس تعاملك مع الحالات الإنسانية -بحكم عملك بالتضامن- على الاتجاه نحو تجسيد المرأة في أعمالك الفنية؟

بالفعل كان له أثرا كبيرا، لأن المرأة المصرية على وجه الخصوص، تعيش حالة من القهر والمعاناة والضغوط النفسية، مقارنة بالسيدات في دول أخرى. فهي تحمل على عاتقها العديد من المسؤوليات. وكوني أعمل مديرة بإحدى الإدارات بالشؤون الاجتماعية بوزارة التضامن الاجتماعي، جلست مع العديد من السيدات ودخلت منازلهن. ولكوني باحثة اجتماعية، شاهدت وتعايشت مع تفاصيل حياة الكثيرات منهن عن قرب. وكنت دائما ما أشد من أزرهن وأشجعهن على تكملة الحياة بكل ظروفها.

يمكن القول أن وراء كل عمل فني لكٍ قصة حقيقية لسيدة أو امرأة تريدين التعبير عنها؟

بالفعل وراء كل تمثال أو عمل حكاية وقصة أريد التعبير عنها. هناك على سبيل المثال تمثال “شيخوخة” وهو لسيدة منحنية وبجوارها ابنتها، ويمثل المعاناة التي قد تعانيها المرأة بعد أن يمر بها العمر وتتقدم في السن. وأرى أن هناك الكثير من النساء عندما يكبرن في العمر لا تجد بجوارها أحد ولا عائل. فهي أكثر كائن ضعيف ومن يحمل همها هنا هي ابنتها في أغلب المواقف.

هناك أيضا تمثال لـ”امرأة” تحمل ابنتها وترفعها إلى الأعلى، وكأنها تريد أن تقول أنا فخورة وسعيدة بابنتي، لكسر ما هو متعارف عليه عند فئة -ليست قليلة- بمجتمعنا من تفضيل الذكور على الإناث. وتمثال “المرأة المعيلة”، فهو تمثال لامرأة تحمل في يديها مجموعة من الحقائب. وعلى رأسها سمكة، وترمز السمكة إلى الرزق “أكل العيش والعمل” فهي تعول وتحمل هم إطعام أسرتها وتعمل لتوفير احتياجات منزلها. وهناك تمثال “القيلولة” وهو لامرأة تنام على جانبها وتضع يدها على رأسها في لحظة راحة. فهي ليس لديها وقت للراحة أو حتى أخذ قيلولة لكنها تخطف تلك اللحظة لترتاح بعض الشيء. ثم تقوم لمواصلة عملها وروتينها اليومي.

لذلك أطلقت على معرضي الأخير اسم “فيمينست” وأرى أن النسوية حاضرة وبقوة في مجتمعنا. وستظل الست المصرية قوية بالرغم مما تتعرض له من قهر بشكل يومي.

هل تعتمدين على الاسكتشات قبل تنفيذ أعمالك الفنية وتحويلها لتماثيل في صورتها النهائية؟

قد أكون مختلفة عن باقي الفنانين، فأنا لا ارسم أي اسكتشات في البداية. ولو رسمت العمل على الورق يكون مصيره الفشل، لكني أعبر عما بداخلي بشكل مباشر على خامة الشمع في نفس اللحظة. وهناك تمثال أسميته “معاناة” وهو الآن أحد مقتنيات متحف الفن الحديث. عبارة عن سيدة تجلس على الكرسي وتميل برأسها للأسفل في حالة من الانكسار والحزن الشديد، فأنا في هذه اللحظة كنت في حالة حزن داخلي وهو ما ظهر على هذا التمثال.

لماذا كل منحوتاتك تكون في البداية من الشمع وليس الطين أو الحجر على سبيل المثال؟

الشمع هو مادة طيعة للغاية وطرية، بمجرد لمسها بالأيدي تتشكل بسهولة. وهذا نوعا من الراحة بالنسبة إلي، فهو يجعلني أعبر عما أريد بسهولة. وإن حاولت تقليد التمثال أو عمل نسخة منه مرة أخرى لا أستطيع، كل تماثيلي قطعة واحدة ليس لها نسخة أخرى. كما أنني عندما أبدأ في عمل تمثال لا أتركه حتى انتهى منه مرة واحدة. فهو وليد إحساس اللحظة، والإحساس من الممكن ألا يتكرر. وعندما جربت أن أخطط لعمل تمثال ما وأضع تصميم له على الورق لم أستطع إكماله.

المشاهد لأعمالك يرى بوضوح رشاقة المنحوتات التي قد تصل إلى حد النحافة.. ما تعليقك؟

بالفعل “النحافة” سمة لكل تلك التماثيل الخاصة بالمرأة. أريد أن أقول أن المرأة “معجونة في الحياة” لدرجة أنها قد تكون شبه الهيكل العظمي من شدة ما تتعرض له من ضغوط.

بيت الجزيرة
بيت الجزيرة
حدثينا عن «بيت الجزيرة» الذي أصبح بمثابة ملتقى للفنانين والفنانات؟

بيت الجزيرة هو منزلي أنا وزوجي، ويقع على ضفاف النيل بجزيرة الدهب. حيث يقع وسط الخضرة وبيوت أهالي القرية البسطاء. وجاءت فكرة صالون الجزيرة، عندما نشرت أول صورة لمنزلنا على صفحة فيسبوك، وهو ما لاقي استحسان وإعجاب الكثير من الأصدقاء خاصة الفنانين.

ومن هنا فكرت أنا وزوجي الفنان “ناثان” أن نتشارك في تلك الطبيعة مع أصدقائنا من الفنانين. وأن يستمتعوا معنا بالطبيعة البكر، وبدأنا في تنظيم ذلك منذ 5 سنوات، وأصبح يرتاد على منزلنا العديد من الفنانين. ثم حددنا أن يكون بمثابة صالون فني شهري يقام في الجمعة الأخيرة من كل شهر. هدفنا هو إسعاد الآخرين معنا، وأن نسعد معهم أيضًا. وأتمنى أن ينضم إلينا أكبر عدد من الفنانين.

كما أن بيت الجزيرة يقع بمنطقة ريفية. لذا حاولنا أيضًا أن يتشارك الفنانين مع الأهالي بالمنطقة. وبالفعل يأتي الأهالي ويروا الفنانين ويجلسون معهم. وهو ما أحدث فارق كبير مع الأطفال حيث يشاهدون الفنانين وهم يعملون. فهو بيت للجميع، وقد حرصنا على تسميته بيت الجزيرة وليس بيت نيفين وناثان.

اقرأ أيضا:

145 فنانا مصريا يشاركون في معرض «البدايات» بالأوبرا

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر