سلسلة عاشت الأسامي| أميرة في نجع حمادي.. حكاية الوالدة باشا "ناز برو"
أكثر ما يلفت انتباه الزائر لقصر الحرملك، أحد المشتملات المعمارية لمجموعة الأمير يوسف كمال، بمدينة نجع حمادي شمالي قنا، هو ذلك المصعد الصغير الذي لا يتسع إلا لشخص واحد، وينقله إلى الطابق العلوي المخصص للنوم، إنه مصعد الوالدة باشا.
في عام 1907 بنى الأمير يوسف كمال بن الأمير أحمد كمال بن أحمد رفعت، الرحالة، مؤسس مدرسة الفنون الجميلة، كلية الفنون الجميلة حاليا، مجموعته المعمارية المنيفة علي النيل مباشرة، وسط مدينة نجع حمادي، ليدير من خلالها أملاكه الزراعية، من خلال دائرة كبيرة من الموظفين، كان يطلق عليها “دائرة الأمير يوسف كمال”، وجاء حيازة الأمير يوسف كمال، ضمن حيازات الأسرة العلوية التي حكمت مصر في الفترة من 1805 ـ 1952.
ويقبع القصر بطرازه المعماري الفريد، في موقع جغرافي متميز، بكورنيش نيل المدينة، شمالي محافظة قنا، معبأ بالروايات التي يتناقلها الناس جيلًا بعد آخر، مع اختلاف ما ذكره المؤرخون، حول أمراء وحكام تلك المرحلة، تلك المرحلة المحورية في تاريخ مصر الحديث.
أغلب الإجابات المتداولة من الأثريين، عن ذلك المصعد المميز والملفت في قصر الحرملك، أنه صمم خصيصًا لوالدة الأمير يوسف كمال، ليعينها علي الصعود إلى الطابق العلوي في القصر، بسبب إصابتها بأمراض المفاصل والروماتيزم.
اسمها الأميرة “ناز برو” من نسل أسرة محمد علي باشا الكبير، وتزوجت من الأمير أحمد كمال، وأنجبت منه، مؤسس القصور اليوسيفية بمدينة نجع حمادي، الأمير يوسف كمال.
في مراتها القليلة التي زارت فيها الأميرة نجع حمادي، مشتى الأمير، كانت دائما ما تطل من شرفة الحجرة الجنوبية من القصر الملكي، بوجه لم يتغلب عليه الزمن، وكأنها أحد آلهة الجمال الإغريقي، وهي تقف بجوار ابنها الأمير يوسف كمال، في أرجاء القصر الملكي.
الروايات المتداولة عن “ناز برو” أو”الوالدة باشا” ـ وهو لقب كان يطلُق علي أمهات الأسرة العلوية، قليلة بسبب زيارتها المقتضبة لقصر نجلها في نجع حمادي، والتي لم تتعد ثلاث أو أربع مرات.
ترجع الدكتورة ثناء فرج، مفتش الآثار الإسلامية والقبطية بنجع حمادي، قلة المعلومات المتوفرة، إلى الخصوصية التي كانت مفروضة على أميرات الأسرة العلوية الحاكمة في مصر على وجه العموم.
ثناء تقول إن المعروف عن الأميرة “ناز برو – الوالدة باشا” أنها كانت تعاني من أمراض القلب والروماتيزم، وهو ما يفسر قلة زيارتها لقصر نجلها، وكذلك شهادات المعمرين عن هيئتها، وتنصب أغلبها في ثقل حركتها واستعانتها بعكاز من الخشب في تحركاتها داخل حديقة الحرملك، بالإضافة إلى رواية حبها للأولياء واهتمامها بالأعمال الخيرية والبر.
أما عاطف قناوي، وأحمد سيف، مفتشي الآثار بمنطقة الآثار الإسلامية والقبطية بنجع حمادي، يتفقا على أن الأمير يوسف كمال خصص لوالدته “كارته” وهي عربة يجرها حصان، للتنقل داخل المجموعة المعمارية، و”ترولي” وهي عربة تسير على قضبان، للتنقلات خارج القصور، وأنها كانت تقيم في الحجرة الجنوبية في الطابق الثاني من قصر الحرملك، وتصعد إليه بواسطة “الأسانسير”.
وتروي أم محمد، نقيب ضريح الشيخ عمران، أحد المشتملات المعمارية لمجموعة القصور اليوسيفية، نقلا عن عمتها المتوفية عن عمر 105 أعوام، أن “ناز برو” كانت كريمة وطيبة، وتحب أولياء الله الصالحين، وأنها كانت ترعى الضريح وخصصت مجموعة من الخدم لخدمته، وأن عمتها الراحلة رأت الوالدة باشا مرة واحدة وقالت عنها إنها ذات هيبة ووقار شديد، رغم ما يظهر على وجهها من علامات المرض.
وتسرد نقيب الشيخ عمران، رواية شعبية متواترة تفسر اهتمام الأميرة “ناز برو” بالضريح، تقول حلمت “الوالدة باشا”، أن نجلها كان في رحلة صيد في أفريقيا، وهاجمه أسد كان سيفتك به، فإذا برجل يقتل الأسد، ولما سأله الأمير عن اسمه أجاب أنه “عمران”، وتضيف ولما عاد الأمير أخبرته والدته بحلمها، فقص عليها أنه ضل طريقه في رحلة الصيد ونفدت من ركبه المؤن، فأنقذهم رجل ومدهم بالماء والطعام وكان اسمه ذات الاسم “عمران”.
أم محمد تتابع أن الوالدة باشا قررت بعدها إنشاء ضريح للشيخ عمران داخل القصور وبنفس طراز البناء، وألحقت به قاعة للدرس، ومسجد صغير.