«صورة المرأة في السيرة الشعبية».. في ندوة بمركز جمال عبدالناصر الثقافي

في ندوة أقيمت بمركز جمال عبدالناصر الثقافي بحي باكوس في الإسكندرية، تحدثت الناقدة فاطمة عبدالله، باحثة في مركز دراسات الفنون الشعبية وجامعة ميدانية لمرويات الأدب الشعبي، عن صورة المرأة في السيرة الشعبية وكيف كان لها أدوارا بارزة في الحرب والسلام.

بدأت الندوة بحديث فاطمة عن الحواديت التي تربينا عليها والتي كانت تحكيها الجدة والأم والخالة والعمة، وحواديت أبلة فضيلة وما فيها من توجهات تربوية. وأيضا الحواديت الشعبية، مشيرة إلى أنها عملت سنوات في جميع الحواديت الشعبية المصرية كباحثة ميدانية في مركز دراسات الفنون الشعبية وسجلت العديد من الحواديت المصرية، منوهة بأن الحدوتة هي الرابط بين الجيل الذي يسمع، والحدوتة، والجيل الذي يحكيها. وهي منبع الإبداع الأدبي لكثير من المبدعين من خلال الحكي.

اللغة في الأدب الشعبي

تقول عبدالله: “الدهشة الكبرى كيف اتفق المجتمع الذي ظهرت فيه هذه المنتجات الفنية والأدبية وأصبح هناك توافق ضمني من غير اتفاق شرطي على الطريقة التي يحكي بها الناس الحدوتة ويتفق عليها الآخرون ويحكونها بلغة المنطوق عكس المقصود. أقصد ما يسمى بـ(حشومة اللغة). أن يكون المنطوق عكس المقصود، لكنه متفق عليه بشكل ضمني؛ كما يسأل أحدهم: كيف حال فاطمة؟ فيرد الآخر: بعافية شوية.. وهو يقصد أنها مريضة. أو كيف حال فلان؟ فيقال إن عنده اللهم احفظنا.. وهو دعاء لكن المقصود أنه مريض”.

وتابعت: هذا الاتفاق الضمني يأخذ الكلام في الاتجاه العاطفي دون أن يحاكمه بمنطق العقل. وإن كان أيضا هذا منطق خاص به. هذا الاتفاق الضمني هو من أجمل وأهم سمات الأدب الشعبي، وهو ما يمنحه الاستمرارية والديمومة، لأن الكلام في الأدب الشعبي يحكى الحكاية بنفس اللغة التي نعيش بها ونشعر ونفكر.

واستطردت: “وهذا ما نلاحظه -وأنا أعمل مدرسة لغة عربية أيضا-أن التلاميذ يحتاجون عند تعلم اللغة الفصحى إلى ترجمتها إلى لغتهم العامية، وأنا أسمي العامية لغة، وأنا أقصد هذا، لأن لها قوانينها وقواعدها، بينما في الأدب الشعبي يفهم المستمع الحكاية مباشرة دون حاجة إلى ترجمتها إلى لغة يفهمها، لأنه يشعر ويفكر بالعامية”.

الاتساق مع الذات

ترى الباحثة أن جماليات الأدب الشعبي في أي مكان أن به هذه التلقائية والاتساق مع الذات، وكان العرب يقولون إن الشعر ديوان العرب، فالأدب الشعبي ديواننا الأصدق والأجمل والأكثر حميمية وتعبيرا عن الشخصية العربية ككل أو المصرية تحديدا؛ لأن الناس تتكلم بعفوية وتلقائية، ولا يبحث أحدهم عن كلمة لتوافق شعوره أو ما يريد قوله.

وتقول: “كنت مرة في جمع ميداني، فقالت إحدى السيدات وهي تندب حظها القليل: (يوك عليك بخت! كما الشاش ما يستر اللي تحت)، وهي بدوية من بدو الفيوم تصف قلة حظها أنه يشبه الشاش. وفي بعض البلاد يقولون على الطرحة التل التي ترتديها النساء شاشية، لأنها شبه الشاش. (يوك) للندب كما ويلي، وهي تستخدم مفردات بيئتها الطبيعية. وبالمقارنة مع الاحترام الكامل للشاعر أدونيس عندما يقول: (زيتونة الفكر) يقف الناس عند حداثة الصورة في الشعر العربي، وأنا أرى أن هذه السيدة البدوية وصفت حالها بصورة حداثية.

وعندما يشتكي رجل من الصداع يقول: (سبعين ألف جوز تعلب تكالبوا على ديك خاطرنا).. انظروا إلى هذه الصورة والحداثة وهو يصف إصابته بالصداع ويشبهه كأن سبعين ألف زوج من الثعالب تكالبوا على (خاطرنا) يقصد خاطره. كيف استخدم مفردات من بيئته الشعبية وصورة جميلة ليعبر عن ألمه ولم يأت بمفردات غريبة بل تحدث بمصداقية وحميمية في اللغة وخرجت صادقة ومبدعة”.

يصف الشاعر الشعبي صالح بو لطيف بو سكران، وهو يمتدح حصانه كما امتدح امرؤ القيس حصانه في معلقته.. يقول:

(حصان صالح بو لطيف بو سكران

شيطي جان

سريع النوضة في لقفزان

إن جاك يسوف

ثلاث اصفوف

الفارس والذيل مع الشوف)

(شيطى جان) أي شيطان من الجن كما في القرآن: (عفريت من الجان) أي أنه مغاير ومختلف، (سريع النوضة في لقفزان) أي أنه يقفز سريعا كأنه ومضة كالبرق، (إن جاك يسوف) أي أنه يثير الغبار في جريه السريع، (ثلاث اصفوف) أي ثلاثة صفوف، (الفارس والذيل مع الشوف) أي أنه مع الجري السريع سترى ارتفاع الذيل مع مستوى انحناء الفارس على ظهر الحصان مع زاوية رؤيتك. كأن هناك خطا مستقيما يمر بينهم، وهو وصف مشهدي جميل للحصان في حالة الجري السريع.

وطرحت عبدالله تساؤلا: “من علم هذا الرجل دقة المقاييس؟ من علمه هذه البلاغة وهذه الفنيات؟”.

صورة المرأة في التراث الشعبي

أما عن صورة المرأة في التراث الشعبي تقول عبدالله: “صورة أروع مما يُصدَّر لنا.. “ولا أقصد أن العرب أو الرجال العرب هم من يصدرون تلك الرؤية للنساء العرب. ولكن أقصد أنها رؤية غربية وتم تصديرها لنا، حيث يوصف المجتمع العربي بأنه مجتمع ذكوري، وهي رؤية غربية وليست صحيحة، لأن في المجتمع الشرقي والعربي تحديدا المرأة لها كامل احترامها. حتى في المثل المشهور بشخصية السيدة أمينة في رواية نجيب محفوظ.. السيد أحمد عبدالجواد يوقرها ويحترمها ولا يرتكب ما يغضبها داخل البيت ولا يجرح مشاعرها، وحين يغضب منها يأخذها في عربة خاصة ويذهب بها إلى بيتها”.

وترى عبدالله أنه منذ أيام الفراعنة لم يكن الحكم للرجال فقط، وكمثال حتشبسوت ووالدة أحمس وكاموس هي من ربت البطولة في ولديها كاموس وأحمس طارد الهكسوس. لم يرفض المصريون كون المرأة رئيسة، حتى كليوباترا وهي غير مصرية. لكن مصر تستطيع أن تصبغ كل الثقافات بصبغتها الخاصة، ولم يرفض المصريون حكمها كامرأة أو أجنبية، أو عندما حكمت شجرة الدر مصر لمدة 84 يوما حين مات نجم الدين أيوب وتكتمت الخبر وقادت معركة المنصورة من وراء الستار لم يعترض المصريون بل اعترض الخليفة العثماني.

هذا مجتمع يحترم المرأة بكل طبقاتها الاجتماعية سواء كانت جارية أو ملك يمين. ويرقيها كما فعل مع شجرة الدر عندما تزوجت من نجم الدين وتحولت من جارية إلى قادن. ولا يجور المجتمع على حق المرأة حتى لو كانت جارية وتحصل على حقها ولا ينظر لها نظرة احتقار.

ديوان مسلم ابن الوليد

تقول فاطمة إن جزءا كبيرا من الشعر العربي القديم في وصف الجواري. ديوان مسلم ابن الوليد كله في وصف الجواري. معلقة طرفة بن العبد الشاعر الوجودي قبل ظهور المذهب الوجودي عند سارتر تصف المجتمع كله وطبقات النساء وطبقات الرجال وملابس كل طبقة والألعاب الشعبية لكل طبقة.

وتضيف، هذا موجود أيضا في أغانينا الشعبية: (واحد اتنين سرجي مرجي/إنت حكيم ولا تمرجي/أنا حكيم الصحية/ العيان أديله حقنة/ والمسكين أديله لقمة)سرجي مرجي لفظان دخيلان وكانا من مهن المماليك، حكيم وتمرجي هي مهنة. لكن تحديد حكيم الصحية حيث المكان الذي يجب أن يتوجه له الناس للعلاج، وليس لحلاق القرية، ولكن حكيم الصحية ليست وظيفة طبية فقط بل اجتماعية أيضا لكي يمنح المسكين لقمة. للأسف لم نعد نغنى لأطفالنا الأغاني الشعبية، ونعتمد على الأغاني الأجنبية.

صورة المرأة العربية في الأدب الشعبي متنوعة ولكنها صادقة. وقد نعترض أو نتحفظ عليها أو ننفي جزءا منها، لكن جمال هذا الاختلاف أنها صورة صادقة عن المرأة ولم يخفها المجتمع.

وتذكر: “في الحواديت هناك فقر الغنى وغنى الفقر، وهو مصطلح خاص بي، وهو موجود أيضا في التراث العالمي. ماذا أعني بفقر الغنى وغنى الفقر؟ أن المرأة بنت الملك دائما عديمة الاختيار، لا حرية لها في الاختيار ومجبرة على أمرها. هذا الملك يضع ابنته مكافأة لمن يحل اللغز، أو من يحل المشكلة، أو يزوجها الملك لمن يريد أن يصنع معه هدنة من الحرب، دائما ابنة الغني منذورة للآخر في أهداف ليست من مصلحتها، لكن لمصلحة الملك كي يحافظ على ملكه”.

أما ابنة الفقير في الحكاية الشعبية فتملك قرارها. في حكاية (بنت الفوال) -والفوال هو بائع الفول- تشترط وتختار وتضع لابن السلطان اختبارات لكي يتزوجها. هذا ما أقصده بفقر الغنى وغنى الفقر.

علق أحد الحاضرين بأن هذا الأدب الشعبي ربما أنتجته الطبقة الفقيرة. وهي التي رسمت تلك الصورة المشوهة للأغنياء بينما احتفظت لنفسها بصورة جميلة رغم فقرها. ردت الباحثة فاطمة عبدالله بأنها لا تعتقد أن التراث الشعبي محصور في مكان أو طبقة. لكن قد تنتج طبقة ما نوعا من فنون الأدب الشعبي أكثر من طبقة أخرى، كأغاني العمال التي تنتجها الطبقة العاملة أكثر من طبقة الأغنياء، أو حكايات مختلفة عن طبقة الأغنياء أو أمثالا مختلفة.. لكن كل طبقة تنتج أدبها من مكانها وبيئتها.

صورة المرأة في السيرة الشعبية

صورة المرأة في السيرة هي صورة أدبية وفنية وليست واقعية. قد تتوافق مع بعض البيئات وقد لا تتوافق مع بيئات أخرى. يقال إن الحواديت للنساء والسير للرجال وهذا خلط، لكن المقصود هنا من حيث الرواة: رواة الحواديت هن النساء، لكن أبطال الحواديت من النساء والرجال. وقد يكون أبطال الحواديت رجالا كالشاطر حسن، ورواة السير من الرجال، لكن أبطال السير منهم شخصيات نسائية؛ كالجازية في السيرة الهلالية، أو الجليلة في سيرة الزير سالم، والأميرة ذات الهمة بطلة لسيرة الأميرة ذات الهمة.

ستجد أن زبيبة في سيرة عنترة ابن شداد مقابلها هي شخصية خضرة الشريفة في السيرة الهلالية.

المرأة في السير الشعبية شخصية فاعلة وقد تكون بطلة ظاهرة كما في سيرة الأميرة ذات الهمة أو بطلة خفية أو من أبطال الظل الذين دون وجودهم ما كان ليظهر البطل. لولا صراع زبيبة أم عنترة في سيرة عنترة بن شداد، وهي الأميرة الحبشية التي أُسرت وأصبحت جارية في بني عبس، لولا صراعها لاسترداد حريتها حتى تثبت بنوة ابنها الشرعية لسيد القبيلة لم نكن نستطيع أن نرى بطولات عنترة العظيمة.

في سيرة عنترة كلما وقع عنترة في مشكلة ينقذه شيبوب بالاتفاق مع عبلة. عبلة تفكر وتدبر بالاتفاق معه لإنقاذ عنترة، وهو ينفذ. أي أن زبيبة وعبلة من الشخصيات الفاعلة في سيرة عنترة ابن شداد. ولم تكن لتظهر بطولة عنترة إلا بصراعه للزواج من عبلة، لم يكن يريد أن يكون سيدا لا عبدا إلا بعد حبه لعبلة ورغبته في الزواج منها. كان شاعرا وبطلا في الحرب لكن رحلته في السيرة وصراعه كان لوجود عبلة كمحرك للأحداث.

 السيرة الهلالية

تُروى السيرة الهلالية في مصر بثلاث روايات: رواية في منطقة الدلتا. والعجيب أنها تُروى بلغة ولهجة قوية تناسب شخصياتها وتناسب مواقف السيرة. ورواية في منطقة الصعيد وهي الرواية المشهورة التي نسمعها في الإذاعة والتي تبدأ بـ(قول يا عم جابر). وهو عم جابر أبوحسين من رواة السيرة الهلالية التي سجلها عبدالرحمن الأبنودي وجمعها، وإن كان سبقه في جمعها المخرجة عطيات الأبنودي.

وفي هذه الرواية في الصعيد على عكس المتوقع وعلى عكس المعتاد تميل اللغة إلى المكسورة عندما يذكرون (أبو القمصان). مثلا في هذه الرواية يكسرون حرف النون في آخر الكلمة، والكسر في اللغة أميل إلى النساء. وهذا موجود في ألفية ابن مالك، وفي النحو ننصب جمع المؤنث السالم بالكسر، والكسر من حروف اللين التي تناسب طبيعة المرأة.

الفارق بين الرواية في الدلتا والصعيد فارق في اللغة. لكن الأحداث والأبطال لا يوجد اختلاف بينهم في الروايتين.

وعندما نأتي إلى رواية بدو مصر للسيرة الهلالية، وبالتحديد بدو الغرب والفيوم وأبناء علي الأبيض وأبناء على الأحمر والجدادفة والفنيشات والمناطق من مرسى مطروح حتى ليبيا. يروون السيرة في (سبوعة) أو سبعة أيام. والبطل في تلك الرواية البدوية المصرية للسيرة الهلالية ليس أبوزيد الهلالي. ولكن الزناتي خليفة وهو من تونس، وابن غانم، ويتحول أبوزيد الهلالي إلى مجرد عبد أسود، وهذه طبقية في الرؤية. وهنا نرى تأثر التراث أثناء الرواية حسب طبيعة المنطقة التي يُروى فيها وطبيعة الرواة.

صورة المرأة في السيرة الهلالية

السيرة الهلالية من أعظم السير العربية التي تعبر عن المرأة العربية في أقوى صورها. نحن قد لا نألف اسم شهرزاد ربما لأنه اسم مركب. وربما لأنه اسم غير عربي، فهي من فارس، وكل شعب عربي أضاف إلى ألف ليلة وليلة من حكاياته، حتى نصل إلى الجزء المصري ونجد نموذج شخصية ثرية في السيرة وأكثر إضاءة: شخصية شواهي أم الدواهي.

شواهي جمع لشائهة، وأم الدواهي وليست داهية واحدة، وكيف يواتيها فكرها بهذه الأفكار الجبارة، وكيف تدبر للخراب في السلب.

وفي المقابل هناك الشخصيات النسائية المتصوفة من المثقفات الحافظات للشعر الكاتبات.

شخصية شهرزاد كامرأة هي محركة حكايات ألف ليلة وليلة. وهذا نموذج لشكل من أشكال المرأة العربية، أو التي عُربت إذا كنا نقول إن أصل حكايات ألف ليلة وليلة غير عربي.

السيرة الهلالية مبنية على ثلاثة أجزاء: التغريبة الأولى والتغريبة الثانية والحرب في تونس.

في تونس تحكى السيرة الهلالية أن البطل هو الزناتي خليفة، هو البطل القومي الذي قاوم الغزاة. على عكس الرواية المصرية للسيرة الهلالية التي تروي أن البطل القومي هو أبوزيد الهلالي الذي غزا إفريقيا؛ وهي بلاد تونس والجزائر.

شخصية الجازية

شخصية الجازية في السيرة الهلالية شديدة الأهمية. فهي من أشهر الفتيات جمالا، وبالإضافة إلى حصافة العقل وأن لها ثلث المشورة في القبيلة كانت تتميز الجازية بزغروطتها وبشعرها. في الماضي كانوا يحسبون المسافات بمسيرة الأيام. يقولون إن هذه المسافة تبعد مسيرة ثلاثة أيام. وكان رجال القبيلة يذهبون إلى الصيد، وإذا أتى مهاجمون يعتدون على القبيلة. كانت زغروطة الجازية تقطع مسيرة ثلاثة أيام لتنبه الرجال كي يعودوا وينقذوا القبيلة.

لماذا قيل إن للجازية ثلث الحق في المشورة في الحرب والسلم واتفقت القبيلة على ذلك؟ لأنها ضحت بزوجها وابنها من أجل القبيلة في التغريبة الأولى، وعندما أتوا إلى مصر قبل أن يعبروا للجبل الأخضر أُغرم ملك تلك المنطقة بجمالها وأراد أن يتزوجها. وليس هناك حل للقبيلة كي تنتقل من الجدب إلى الرخاء إلا أن تتزوج ذلك الملك. لكنها أقسمت ألا يمسها ولا يراها عارية وأبرت بقسمها. عندما أراد أن يراها عارية كزوجة له خلعت ملابسها لكنها غطت جسدها كله بكامل شعرها.

أصر الملك وهي بحيل المرأة وفت بعهدها للقبيلة. وهي رأت أن شرطه خسيس ولا يناسب امرأة عربية. وعندما خرجوا في رحلة صيد وتركها في خيمة بجوار نخلة. نقلت الخيمة بعيدا عن النخلة وعندما عاد الملك وبحث عن الخيمة استطاع رجال قبيلتها أن يقتلوه وخرجت الجازية سالمة غانمة.

كان أبوزيد له وجه شؤم؛ كلما ذهب معه أحد الرجال يُقتل. فأقسمت القبيلة أنه عندما يعود يضربونه بما في أيديهم، فخططت الجازية وأولمت وليمة وكانوا يمسكون بأيديهم قطع اللحم فضربوه بقطع اللحم.

سيرة الزير سالم

ترتبط هذه السيرة بحرب البسوس، والبسوس هي سعاد أخت تُبَّع اليماني، وجليلة زوجة كليب أخي الزير سالم وابن عمها. وهنا ترى صورة المرأة التي تتصارع بشكل شخصي لبناء مجد زوجها.

تُبَّع اليماني كان يفرض سيطرته على القبائل فأراد أن يتزوج الجليلة لكن العرب لا يزوجون النساء من أجل السلام. فقالت الجليلة نصنع حيلة يذهب معها أخوها وخطيبها وابن عمها كليب. وهي نفس الحيلة في قصة علي بابا والأربعين حرامي، وتشبه قصة حرب طروادة. خبأت جليلة المحاربين في الصناديق وقالت إن هذه الصناديق جهاز العروس. وقالت إن أخاها هو البهلول الخاص بها، ليجرد تبع اليماني من قلادة الملك وسيفه كي يستطيع المحاربون هزيمته دون قوته الخارقة.

الجليلة هي من دبرت هذه الحيلة

سعاد أخت تُبَّع وهي الشهيرة بالبسوس أرادت الثأر لأخيها من جليلة وكليب. فجعلت ناقتها تأكل من كرم كليب فتحدث الحرب التي دارت أربعين سنة تذكيها وتؤججها هاتان المرأتان. كلما خفتت نار الحرب قالتا شعرا وسبت إحداهما الأخرى فتثور نار الحرب مرة أخرى.

ثم بدأت أسطورة الزير سالم أخو كليب الصغير والذي كان يعتبره بمثابة ابن له وهو لم ينجب بعد. وعندما أحست الجليلة بحملها أرادت أن يكون حب كليب خالصا لابنها دون أخيه فقالت إنها تريد لبن لبؤة من وادي السباع لتتخلص من الزير سالم. وذهب الزير سالم وزأر زأرة كبيرة فخافت منه السباع في وادي السباع. ولذلك سُمي بالزئر سالم أو الزير سالم وعاد ومعه اللبؤة وأشبال لها.

تتشابه صور المرأة في السير الشعبية، تتشابه الجليلة والجازية، وشواهي أم الدواهي والبسوس.

زبيبة وهي تسعى لإثبات بنوة ابنها عنترة، في المقابل خضرة الشريفة في سعيها لإثبات إخلاصها وشرفها وبنوة ابنها أبوزيد الأسود اللون الذي اتهموها أنها فعلت الفاحشة مع عبد وهي شريفة. كما ربت زبيبة ابنا بطلا كعنترة ربت خضرة الشريفة ابنا بطلا كأبي زيد الهلالي.

كيف تكون هذه هي صور المرأة في السير الشعبية وفي تاريخنا ونقول إن المرأة العربية مهانة؟ هذه ليست أفكارنا.

اقرأ أيضا:

الفنان التشكيلي خالد هنو: ما أرسمه الآن سيتحول إلى تراث في المستقبل

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر