النحت الرقمي: فن المستقبل
استخدام التكنولوجيا في المجالات الحياتية أصبح هو الاتجاه السائد في العالم، ومنه استبدال الخامات المعتادة في الرسم والنحت بأخرى تقنية، مثل فنون الرسم والنحت الرقمي، وهي ما جذبت مهندس مصري تعلم هذا الفن على مدار 13 عاما حتى أصبح واحدا من القلائل محترفي فن «النحت الرقمي بالواقعية المفرطة» حول العالم ورائد الفن نفسه في مصر، بعد دراسته ذاتيا لعلم الألوان وسلوك الضوء في الجلد البشرى وفيزياء الضوء، لينافس بهذا الفن في دقته الرسم والنحت بخامات حقيقية.
النحت الرقمي شديد الواقعية
يكشف المهندس المصري أحمد نجيب تفاصيل احترافه لهذا الفن في حوار خاص مع «باب مصر»، موضحا أن هذا المشروع يسمى «النحت الرقمي شديد الواقعية» وهو عبارة عن نحت كتلة وتشكيلها ولكن على جهاز الكمبيوتر.
الدمج بين هذا الفن والتكنولوجيا جاء نتيجة شغفه بالعالم التقني، فهو خريج كلية الحاسبات والمعلومات، وبعد تخرجه قبل أكثر من عقد مضى، بدأ رحلته في تعلم التصميم وتحويل موهبته في الرسم من اللوحات اليدوية إلى الشاشة، ويقول: “كان طموحي منافسة الفنانين خارج مصر، وكنت أرى أحدث التقنيات التي تم التوصل إليها حتى يتعلمها.”
مشوار نجيب في التعلم بدأ منذ عام 2008، وضع لنفسه منهجا خاصا به في التعلم من خلال مراجع أجنبية ومقاطع فيديو وغيرها من وسائل التعلم للرسم الرقمي، لينتقل بعدها في عام 2017 إلى خطوته في تعلم الرسم والنحت بطريقة الواقعية المفرطة، والتي تنافس الصورة أو التمثال الحقيقي في دقتها.
لورانس العرب
عام تلو الآخر يمر دون يأس من الفنان الشاب، حتى بدأ مشروعه الأول في النحت الرقمي شديد الواقعية، وكان للفنان الراحل عمر الشريف، ويكشف تفاصيله لـ«باب مصر» أنه استغرق أكثر من 3 أشهر من العمل المتواصل، موضحا: “اخترت صورة له وهو كبير في السن لأن وجهه أكثر تعبيرا، أما وهو شاب يشبه الكثير من الشباب، وكذلك ملامح وجهه لها طابع مميز خاص يتناسب مع فكرة النحت الرقمي شديد الواقعية.”
أما مراحل تكوين الوجه كانت الجزء الأصعب في مشروع “عمر الشريف”، حيث واجهته صعوبات في مراحل تكوين الوجه مع الخامات، محاولا التغلب عليها من أجل إنتاج القطعة بشكل ينافس النحت الحقيقي في دقتها، وبعد نشر المراحل بالصور والفيديو للمشروع، تلقى نجيب العديد من الرسائل المتنوعة بين الإعجاب وعروض عمل، ويقول: “ممثلين ومخرجين حدثوني وتلقيت عروض من شركات في مصر وخارجها للعمل معهم”.
الصبر هو الخطوة الأولى للحصول على النتائج المرجوة في هذا الفن، ويروي تجربته مع نحت وجه لورانس العرب بأنه مشروع شخصي بدون مقابل، بجانب عمله الأساسي في المجال التقني نفسه، ومكنه تقسيم وقته بطريقة مناسبة للحصول على هذه النتيجة، “التسرع لا ينتج عنه النتيجة المطلوبة، ولا أهتم بالتوقيت بقدر الجودة النهائية”.
عقدة الخواجة
هذا ليس العمل الأول بهذه الدقة للفنان صاحب الـ34 عاما، حيث عرض أعماله الفنية في معرض بالجامعة الأمريكية، ومعرض آخر بالقاهرة، وإحدى لوحاته تم عرضها في نابولي الإيطالية، “لم ينتشر الرسم أو النحت الرقمي شديد الواقعية في مصر حتى الآن، وتتنوع استخدامات النحت الرقمي في الأفلام وأفلام الكارتون، والإعلانات والألعاب وغيرها من الاستخدامات” كما قال.
حصوله على منحة للسفر إلى الولايات المتحدة ضمن 10 أشخاص في عام 2014، لتجربة التعايش مع الأمريكان كان سببا في عرض أعماله عليهم والاستفادة من خبراتهم وآرائهم، وهو ما مكنه من تطوير مهاراته نتيجة إطلاعه على الآراء الخارجية.
أما الهدف الأساسي لتعلمه هذا الفن كان التغلب على «عقدة الخواجة» خاصة مع وجود عدد قليل جدا من فنانين النحت الرقمي شديد الواقعية حول العالمية، “اجتهدت للتغلب على الانجذاب العام لكل ما هو غير مصري، بوسعنا أيضا كمصريين أن نكون من الصفوة في أي مجال”.
بديل الفنون اليدوية
احتراف النحت الرقمي بالواقعية المفرطة، تطلب من نجيب دراسة أكثر من تخصص بخلاف الرسم والنحت والتكنولوجيا، بل وصل الأمر إلى تعلم الفيزياء لمعرفة تأثير الضوء وسلوكه على الجلد أو الشعر والأسنان والملابس وغيرها من الخامات التي تُستخدم في القطعة الرقمية.
إنتاج قطعة فنية واحدة أمر مجهد يتطلب الكثير من الوقت والصبر، ولا يتوقف على مدى حداثة الأجهزة المستخدمة، ويقول لـ«باب مصر»: “الجهاز الذي استخدمه غير حديث، ولكن الفهم وإدراك فنيات تنفيذ العمل يكون لها أولوية عن الإمكانيات”.
ويتمتع هذا الفن بالمرونة لاستخدامه بأكثر من طريقة، من الممكن المشاركة بالأعمال الفنية الناتجة عن تنفيذ هذه التقنية في المعارض، أو تجسيد مشهد في فيلم قبل تصوير من خلال طباعتها، حيث يختلف عن غيره الذي يُستخدم فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي من حيث محاكاة الشخصية ودقتها.
مصدر دخل للدولة
يعد الرسم والنحت الرقمي مستقبل قوي لمصادر الدخل، ويتوقف على حسب جودته وقوة الرسوم المتحركة، وأصبحت اللوحات الرقمية هي البديل في الخارج للوحات الزيتية من خلال انتشار وسرعة تداولها وإقامة معارض فنية لها، ويقول: “مجرد نشرها يجلب لصاحبها عائد مادي وحال تبنيها من قبل الدولة في أفلام الرسوم المتحركة ستحقق النتائج بشكل أعلى”.
ولكن تعلم النحت الرقمي أمر شديد الصعوبة ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها عدم وجود مراجع عربية، واحتفاظ العديد من الفنانين الرقميين بالمعلومات لأنفسهم، مما دفعه لاتخاذ خطوة لتعليم غيره ونقل الخبرات إليهم، ويقول: “حاولت تنفيذ منصات تعليمية تكون الأولى باللغة العربي في هذا المجال لكن ضيق الوقت سبب تأجيل الفكرة حتى الآن”.