فيديو| ذكريات الطبيب المصري نجيب محفوظ في وباء موشا بأسيوط

برع الطبيب المصري نجيب محفوظ، في الطب وعالج آلام المصريين  ، وهذا ماجعل المصريين يطلقون علي أبنائهم أسمه تخليدا له  ولأسهاماته ،مثل الأديب العالمي نجيب محفوظ الذي تسمي بأسمه ،وقد أطلق علي نجيب محفوظ الطبيب عدة ألقاب منها  “قاهر وباء الكوليرا في صعيد مصر”.

من المنصورة عروس الدلتا، خرج الطبيب نجيب ميخائيل محفوظ والشهير بـ”نجيب باشا محفوظ”، رائد علم أمراض النساء والولادة في مصر والعالم الغربي..”باب مصر” يتعرف على رحلة الطبيب في القضاء على وباء الكوليرا.

مولد الطبيب المصري نجيب محفوظ

الطبيب المصري نجيب محفوظ من مواليد 5 يناير عام 1882، حقق نجاحًا مذهلا في هذا التخصص، كما  أسس متحفا باسمه لعينات النساء والولادة بالقصر العيني حتى الآن، وله العديد من المؤلفات عن الطب النسوي باللغة العربية والإنجليزية، وحصل على العديد من الأوسمة والجوائز الرفيعة منها: جائزة الملك فاروق للعلوم الطبية، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم عام 1960.

طفولته

التحق “محفوظ” في الخامسة من عمره بمدرسة الأمريكان حتى العاشرة، ليستكمل دراسته في مدرسة الابتدائية الأميرية بالمنصورة لمدة عامين فيما بعد، وتأثر كثيرا بوالده تاجر القطن والغلال وجده موظف ديوان المديرية، المحبين للقراءة، والذي جلب لهم مكتبة للكتب وكان يقيم جلسات ثقافية عائلية من الأبناء وأزواج أخوته البنات.

أزمات

لم تكف الحياة عن وضع “محفوظ” في أزمات منذ ولادته، متحديه قدرته على الإصرار والمثابرة والجد والاجتهاد وتقديم المحبة في أحلك الظروف، ولعل أبلغ وصف لحياته هو ما قاله الأديب الكبير طه حسين “هو عذب الروح حلو الحديث.. حياته مليئة بما يستحق أن يسجل في الكتب، فهو قادر على استخراج العبرة من حياته، وإيجاد مواضع العظة والتأمل، كما ينبئنا بأنه لم يكن صاحب عناية بالطب وحده، ولكن مشاركًا في الأدب أيضًا”.

غيّب الموت والد “محفوظ” مبكرا، وأصيبت والدته بمرض السكر، وعانت منه ما عانت، حتى توفت بعد ثلاثة أعوام من مرضها، حسب وصف “محفوظ” في كتابه “حياة طبيب”.

من كتاب حياة طبيب- تأليف الدكتور نجيب محفوظ
من كتاب حياة طبيب- تأليف الدكتور نجيب محفوظ

ترك الوالد ثروة كبيرة كانت كفيلة بإعاشتهم في رغد وهناء، ولكن تفاجئوا باستيلاء من عهدوا إليهم إدارة شؤونها، ما أضطر أخيه طالب مدرسة الخديوية بالقاهرة لقطع دراسته، والعمل  بوزارة الأشغال براتب 6 جنيهات شهرية، ليكتشفوا بعد وفاة الوالدة أن التركة مثقلة بالديون، فاستدعى الأمر لبيع عقاراتهم، وفدادينهم، ولم يخلص لهم بعد تسوية الديون سوى مقدار من المال.

رصد الأخ نصيبه من المال لإتمام دراسته، وكان مصدره للمعيشة يعتمد على القسط البسيط الذي يأتي من غلة الأرض وراتب شقيقه الذي تزوج ابنة خاله، بعد انتقالهم للقاهرة في منزل بشرم الفجالة، ورغم ضيق الحال والضنك الشديد الذي عايشه بحسب وصفه، ألمه مرض الالتهاب الرئوي وكاد أن يقضي على حياته، ومنعه هذا من الالتحاق بالمدرسة الثانوية التوفيقية.

عزيمة وتفوق

كانت مدة الدراسة 5 سنوات، ولكن “محفوظ” عزم الأمر على اجتيازهم في 3 أعوام فقط، وبعد امتحان أول 3 شهور أظهر تفوقه على المسجل بالصف الثاني بدرجتين، طالبا من مدير المدرسة الفرنسي أن يجري امتحانات الصف الثاني، وانتقل من الصف الأول إلى الثالث في نفس العام الدراسي، ومن العجيب اتفاق الأقدار على أن تختصر له سنوات تعليمه في المرحلة الثانوية حيث اجتياز امتحانات السنة الخامسة “البكالوريا” وهو في السنة الرابعة.

وفي عام 1898 التحق نجيب محفوظ بمدرسة الطب، نفس العام الذي تحولت فيه الدراسة من اللغة العربية إلى الانجليزية، وفي عامه الثاني بالمدرسة منح راتبًا شهريًا قيمته جنيها من فائض ميزانية المدرسة.

القصر العيني

عمل “محفوظ” في مستشفى القصر العيني وهو في السنة الثالثة بمدرسة الطب. وكان العمل شاقا لاحتواء المستشفى على 400 سرير، ولا يوجد به سوى طبيبان مقيمان إنجليز. ومعهما اثنان من أطباء الامتياز، وكانوا يتولون الجراحات العاجلة.

أما معظم العمل فيقوم به طلاب لسنتين الرابعة وعددهم 8، والثالثة وعددهم عشرة أو أثنى عشر بحسب ما ذكره محفوظ بكتابه، فكان التدريب على أتمه خاصة بعد تعيين أساتذة أطباء أجانب أيضًا.

الدكتور نجيب محفوظ في المرحلة الابتدائية - من كتاب حياة طبيب
الدكتور نجيب محفوظ في المرحلة الابتدائية – من كتاب حياة طبيب

الكوليرا

بينما كان “محفوظ” في السنة النهائية بمدرسة الطب عام 1902، ظهر وباء الكوليرا ببلدة موشا بالصعيد، في أواخر شهر مايو. وكان ذلك عند طريق عمدة القرية الذي عاد بين الحجاج القادمين مكة، ووُضعوا في عزل في الحجر الصحي بسينا. لكن بعد الحجر سمح له الأطباء باصطحاب صفائح مملوءة بماء زمزم التي جلبها معه من مكة. وكانت زمزم لحقها ميكروب الكوليرا.

فلما وصل العمدة لبلدته التي عدد سكانها نحو ٤ آلاف، وزع ماء الصفائح على أهله ومحبيه وصبوه في آبار للتبرك. وهنا سرعان ما أخذت الكوليرا في حصد أرواحهم.

طوقت القرية بأكملها بالعسكر، تمنع الخروج أو الدخول، وحشد لمكافحة الكوليرا خيرة الأطباء وعلى رأسهم الطبيب “جودمان واخر” من الجيش كان قد كافح المرض بالهند، بالإضافة لطلبة الصف الثالث والرابع مع مدرسة الطب.

لم يكن عدد الأطباء كافيا لمقاومة الوباء ومكافحته. فجندت الحكومة طلبة السنوات النهائية من مدرسة الطب. فقدر لـ”محفوظ” التجنيد للعمل في محطة السكة الحديد لفحص المشتبه بهم، من القادمين من قطارات الصعيد. لكنه شعر بالمسؤولية كونه شاب وهذا الدور يناسب لطبيب متقاعد على حد تعبيره. ليسعى لنقله لموشا بعد علمه بوفاة أحد الأطباء هناك، ونجح في السفر.

موشا

مهمة الدكتور نجيب محفوظ لم تكن سهلة، خاصة بعد غضب الطبيب المسؤول لعلمه بأنه لا يزال طالبا وليس مدربا. ولكن محفوظ أقنعه بالوباء المسيطر على القرية. وبدأ يطلب قوائم الوفيات وتواريخ حدوثها، وأن يسمح له بدخول المنازل لمعرفة مواقع الآبار. رافضا اصطحاب جنود، وإنما مرشد من الأهالي وسط دهشة الطبيب الإنجليزي، الذي أمهله أسبوعين.

واستأذن إمام مسجد القرية يوم جمعة في محادثة الناس شارحا لهم الأمر بأن هناك آبار يخفيها الناس وهي ملوثة. ولن يتم ردمها كما خشيوا إنما تطهيرها، طالبا مساعدتهم.

ولم يكد يمضي الأسبوعين وكان اكتشف 50 بئرًا مخبأ عن طريق نبوت نائب العمدة الذي استعاره منه. فكلما زار منزل طرق الأرض إن أحدثت صوت رنان كان البئر مخبأ تحت حصير يغطيه قطعة خشبية يعلوها تراب.

من كتاب حياة طبيب تأليف الدكتور نجيب محفوظ
من كتاب حياة طبيب تأليف الدكتور نجيب محفوظ

ديروط والمنيا

لم يمض أسبوع وانقطعت الإصابات بالكوليرا عن موشا. لكن لم يكن الأمر بهذه السهولة حيث نقل المرض لمدن أخرى قبل قدوم “محفوظ” للقرية عن طريق جندي سمح لأحد الأهالي بالخروج. ومن المدن المصابة كانت ديروط بمحافظة أسيوط أيضًا. استطاعوا وقف سير الكوليرا بعد أسبوع،  ثم قرية مساره. ثم إلى المنيا حيث أصيبت إحدى القرى بالطاعون، وما أن وصل حتى أصيب محفوظ “دوسنتاريا” فعاد للقاهرة.

حلوان والإسكندرية

ما أن عاد “محفوظ” تم إرساله إلى حلوان تحديدا المعصرة القريبة من طرة، قرية التبانة. وكانت أوشكت الكوليرا على الاختفاء إلا بالإسكندرية كانت العدوى مستمرة من القادمين من الدخيلة القريبة من المكس، فقام بتطهير الآبار وإنشاء 20 مضخة “طلمبة”. إلى أن خفت الكوليرا وطأتها وعاد بعدها الطبيب للقاهرة في أواخر ديسمبر 1902.

وفاته

توفي الطبيب العلامة في 25يوليو ،1974عن عمر ناهز 92عامًا، وقد رثاه المصريون جميعاً.

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر