خالد جويلى يكتب: طرف من خبر بدايات «هاني»

قبل عام 1972، لم أكن أعرف هاني شكر الله، حتى جمعت بيننا بعض فعاليات حركة الجامعة (72،73). كان هاني وأحمد عبدالله وآخرون من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أقرب كلية إلينا (الآداب). وتوثقت صداقتنا أكثر خلال الأشهر الأخيرة من عام 1972 حتى تم اقتحام الجامعة آخر ديسمبر. وتم القبض على كل المعتصمين بالحرم الجامعي، وتم نقلنا إلى معهد أمناء الشرطة بـ(طرة). وهناك بدأت نيابة أمن الدولة تحقيقاتها معنا (فجر اليوم التالي) وتم الإفراج عن غالبية الطلاب- وهاني معهم- وبقيت أنا مع الـ21 طالبا الذين طالب الأمن محاكماتهم. ولكن أفرج عنا السادات بقرار «أبوي»… إلخ الأحداث المعروفة.

لكن السنوات التالية من عقد السبعينيات وثقت علاقتي بهاني. وهي العلاقة التي بدأت سياسية، وتوثقت منذ الثمانينيات، سياسة وشخصية، وتوثقت عائليا أيضا. مما جعلني أفهم- من خلال والد هاني، هذه المرة أحد أهم روافد هاني الثقافية والإنسانية. فقد كان الأستاذ إبراهيم شكر الله والد هاني، وحماي فيما بعد أحد علامات ورموز الحداثة في الشعر العربي، ومن مؤسسي مجلة «شعر» اللبنانية، وكان صديقا لأدونيس وإدوار الخراط وجبرا إبراهيم جبرا وآخرين من كتاب معروفين بثورتهم الحداثية في الشعر والنثر.

**

كما كان إبراهيم أحد سفراء الجامعة العربية، أمضى أكثر من سبعة أعوام في كندا ومثلها في الهند. وقد عرف بأنه عميد الدبلوماسيين العرب. وكان منزله سواء في كندا وفي الهند أيضا صالونا أدبیا وسیاسیا بشكل شبه دائم.

إبراهيم شكر الله
إبراهيم شكر الله

وكان واسع المعرفة، متنوع الثقافة- متبحرًا في التراث العربي والإنجليزي. وله ديوان شعر بعنوان «مواقف العشق والهوان وطيور البحر»، ومسرحية بعنوان «رسالة السندباد الأخيرة» ودراسات نقدية من بينها دراسة مهمة عن أبوالعلاء المعري. كما خاض مغامرة بالتعاون من صديق له إنجليزي بترجمة مختارات من الشعر العربي القديم- (لغة صعبة حتى على أبنائها) إلى لغة أخرى (الإنجليزية).

هكذا يمكننا أن نتخيل المناخ العائلي الذي نشأ فيه هاني وتشكل فيه وعيه وإدراكه، وثقافته. كان هاني منذ طفولته يعاني من الحساسية و الربو المزمن. لذا لم يكن رياضيا بل كان قارئا نهما لكل ما تقع عليه يداه من كتب في مكتبة أبيه. ومن هنا ورث جينات المهارة اللغوية مبكرا فكانت لغته العربية قوية ودقيقة رغم أن الإنجليزية كانت اللغة الأساسية لتعليمه في مصر، وكندا.

كان أكبر إخوته وأكثرهم استيعابا للتنوع السياسي في مناخ ديمقراطي لم تعرفه مصر. ففي الدراسة الثانوية- في كندا- تشكلت جماعات وفرق يسارية متنوعة (يسارية، ماوية، تروتسكية، ويمينية عنصرية أو فاشية) والدستور يكفل لها الحرية الكاملة. ثم يعود إلى المنزل- فيجد مكتبة ثرية ومتنوعة باللغتين، ويأتي أصدقاء الأب وأغلبهم سفراء ومثقفين وسياسيين عرب وغير عرب ويصغي إلى مناقشاتهم.

**

قرأ هاني كل ما طالته يداه. ومكنه عمره من فهمه وساعده الأب بالطبع. وحين عاد مع الأسرة إلى القاهرة كان على مشارف الجامعة،  نشط في الحركة الطلابية (وكان له دورا هام في حركة اليسار- وساعد كثيرا في إصدار مجلة عمالية. ثم ساهم في إنشاء وإصدار «الأهرام ويكلي». (كان مديرا لتحريرها لسنوات  عديدة، وشهد لها كل من عمل بالصحافة بأنها أهم جريدة- وتكاد تكون المرجع الوحيد للصحفيين في الخارج). وقد جمع مقالته الأسبوعية التي كان ينشرها في الجريدة في كتاب بعنوان «Egypt, the Arabs, and the World: Reflections at the Turn of the Twenty first Century».

قصة للأب أهداها لهانى وعلاء - نشرت في مجلة الأديب اللبنانية 1955
قصة للأب أهداها لهانى وعلاء – نشرت في مجلة الأديب اللبنانية 1955

أما الدراسات والمقالات العديدة التي كتبها خلال وجوده في «حزب العمال» مازالت- رغم أهميتها وربما بسبب التوقيع بأكثر من اسم- تحتاج إلى تجميع. فقد تميز هاني بالدقة، والتأمل، والحرص على أن يقدم جديدا فيما يكتب. وكان يبدي ضجره الشديد من أعداد كثيرة من الجرائد تردد الكلام نفسه. وأن البعض من ضعاف الثقافة والخبرة والثقة يعشقون مجرد الكتابة للكتابة. ولذا عندما ترك “الأهرام ويكلي” كان يدعى لإلقاء محاضرات في عدة جامعات أمريكية. ثم اختاره الصحفي محمد حسنين هيكل، مديرا لمؤسسة هيكل للصحافة. ساهم في هذه المؤسسة باختيار بعثات من الصحفيين المصريين للدراسة والتدريب في الخارج والداخل أيضا.

وقد رفض هاني العديد من عروض العمل المغرية، ربما كان أبرزها عندما رفض العمل في مكان الأب في الجامعة العربية، وكان ذلك حق تكفله لائحة الجامعة، وكان راتبها أعلى بما لا يقاس برواتب الأهرام، ولم يصر الأب بالطبع، لأن المحصلة العامة لمساره هو نفسه، ولنشأة هاني وحياته الحافلة منذ الطفولة، حتى اختياراته شابا ثم كهلا كانت ترجمة أمينة لكل ما أحبه، وما أحب أن يصنفه في حياته.

اقرأ أيضا:

ملف| أن تكون هاني شكر الله

هالة شكر الله تكتب: أخي العنيد، الصامت، المتأمل

باسل رمسيس يكتب: هاني شكر الله بين لحظتين

أميرة هويدي تكتب: مديري هاني شكر الله

رندا شعث تكتب: كانت فلسطين دائما في قلبه

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر