“المتحدة” في مفترق الطرق: خواطر حول المؤتمر الصحفي للشركة الأكبر
كنا لا نزال في بداية شهر رمضان الماضي عندما تطرقت إلى أذني لأول مرة همسات بأن هناك تغييرات كبيرة ستحدث في شركة “المتحدة للخدمات الإعلامية” التي تملكها الدولة وتسيطر على سوق الدراما المصري منذ عدة سنوات. لم ألتفت إلى هذه الهمسات كثيرا، فالمعلومات شحيحة وكثيرا ما تختلط بالشائعات العفوية أو المغرضة، لسبب أو آخر، ولكن حتى لو كنت قد انتبهت فلم يكن ليخطر ببالي أبدا السيناريو المثير والسريع الذي حدث لصناعة الدراما في مصر عقب انتهاء عيد الفطر الماضي مباشرة.
بيانات مثيرة
بدأ الأمر ببيان لما يسمى “جمعية مؤلفي الدراما العربية” في 17 مايو يتهم الأعمال الدرامية التي عرضت خلال رمضان بأنها هابطة ومسيئة للمجتمع ويطالب بإنشاء لجنة مستقلة لاختيار الأعمال التي يتم إنتاجها. تعجبت من البيان لأن أي متابع للدراما المصرية يمكن أن يدرك أن مسلسلات هذا العام كانت “نظيفة” و”أخلاقية” و”وطنية” بشكل ملحوظ لدرجة أن العمل الوحيد الذي اعترضت عليه ما تسمى بـ”اللجنة العليا للدراما” التابعة “للهيئة الوطنية للإعلام” كان مسلسلا بعنوان “الطاووس” من “أنظف” الأعمال التي يمكن أن تنتجها محطة تليفزيون في الخليج أو إيران!
البيان الذي أعلنته جمعية مؤلفو الدراما سرعان ما أعقبه بيان آخر مضاد من قبل عدد آخر من أعضاء الجمعية نفسها أعلنوا فيه تبرئهم من البيان الأول وقالوا أن “من المعيب أن يطالب كاتب بفرض المزيد من الرقابة أو تحديد موضوعات العمل من قبل لجان خارجية، حيث لا يمكن وصف الدراما والسينما المصرية الرائدة بأنها بعيدة عن قضايا وهموم المجتمع أو تعمل على تشويه أفراده، وكما تمتع الكاتب المصري بالحرية في صياغة أفكاره وموضوعاته، فإنه – وعلى مدار عقود طويلة- تحمل مسؤولية تقديم أعمالا شكلت ولا تزال تشكل وجدان الجمهور المصري والعربي حتى باتت الأولى في صناعة السينما والدراما.” البيان المضاد أشاد أيضا بالدور الذي تلعبه الشركة المتخدة وإنتاجها لأعمال وطنية مثل “الاختيار 2” و”هجمة مرتدة”، كما أكد على أن الجمعية التي تأسست عام 2005 هدفها الأساسي هو تحصيل حقوق الأداء العلني لكتاب الدراما (على غرار جمعية المؤلفين والملحنين التي تهتم بتحصيل حقوق مؤلفي الأغاني والموسيقى).
نسل الأغراب
ولكن الغريب حقا أن رئيس جمعية مؤلفي الدراما الكاتب بشير الديك الذي وقع على البيان الأول عاد واعتذر عما جاء فيه مبررا أنه لم يقرأ البيان كاملا، وذكر أنه لم يقصد على الإطلاق الإساءة لاسم محمد سامي، مخرج “نسل الأغراب”.
خلال هذه الساعات الفاصلة بين البيان الأول والثاني وتصريحات الديك، كانت شركة “المتحدة” قد أصدرت هي أيضا بيانا مثيرا للفضول كثيرا تعلن فيه أنها أوقفت التعامل مع محمد سامي تماما، وسرت همسات بأن هناك إهدار للمال العام جرى في المسلسل، وأن المسؤولين بصدد محاسبة المتهمين بذلك واسترجاع هذا المال. مسلسل “نسل الأغراب” كان من أضخم الأعمال تكلفة وأكثر مسلسل تعرض لسخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وبجانب الانتقادات الفنية كان هناك انتقادات كثيرة وجهت لمخرج ومؤلف المسلسل لاستعانته بزوجته وأخته بشكل مقحم على العمل.
لم تكد تهدأ الأخبار المتعلقة بـ”نسل الأغراب” حتى ظهرت “أقاويل” على مواقع التواصل تؤكد أنه تم الاطاحة بأكبر اسمين في “الشركة المتحدة” وهما تامر مرسي وحسام شوقي، ليحدث نفي في اليوم التالي، قبل أن يعقد مؤتمر صحفي ضخم صباح 29 مايو يتم فيه الإعلان عن تغييرات كبيرة ليس فقط في إدارة الشركة، ولكن في وضعها المؤسسي وهيكلها الإداري.
مبدئيا تم الإعلان عن تشكيل مجلس إدارة جديد للشركة برئاسة حسن عبدالله، وعضوية عمرو الفقي، أشرف سليمان، محمد السعدي ومحمد سمير وتامر مرسي.
ولمن لا يعرف فإن حسن عبدالله رجل اقتصاد متخصص في مجال البنوك، حيث تولى إدارة عدد منها وقد رشحته بعض الشائعات الجارية لرئاسة البنك المركزي.
القرارات تضمنت أيضا طرح الشركة في البورصة وعرض حصة كبيرة من أسهمها للبيع، وقرب إطلاق قناة إخبارية إقليمية “تنقل صوت مصر إلى العالم” وإطلاق جوائز تحمل أسماء بعض الفنانين الراحلين، وإنشاء صندوق لـ”رعاية العاملين في الإعلام”.
شهد المؤتمر الصحفي أيضا الرد على بعض الاتهامات التي توجه إلى “شركة المتحدة” مثل احتكار صناعة الدراما ووضع “سقف” لأجور الفنانين، وهما الشكوتان الأكثر شيوعا داخل الوسط الفني من قبل المتضررين من وجود الشركة. ومناقشتهما تحتاج إلى مقال مفصل.
صناعة الدراما
أكثر ما يلفت الانتباه من بين المعلومات التي ذكرها المتحدث باسم “المتحدة”، المهندس حسام صالح، أن الشركة التي بدأت عملها عام 2017 نجحت في تحويل خسائرها على مدار الأعوام الأربعة الأولى إلى أرباح بلغت 256 مليونا و713 ألفًا، العام الحالي، فيما بلغ إجمالي السنوات الخمس خسائر بلغت 380 مليونا وأكثر من 500 ألف جنيها.
وبتحليل بسيط لتلك الأرقام معنى ذلك أن الشركة خلال السنوات الأربع الأولى منيت بخسارة ما يقرب من أربعمئة مليونا بمعدل يقرب من مئة مليون كل عام، ولكنها هذا العام وحده حققت ما يزيد عن 250 مليونا، لو أضفنا إليها تجنب خسائر الأعوام الأولى فمعنى ذلك أنها قفزت في عام واحد من سالب مئة مليون إلى زائد مئتان ونصف المليون. فما الذي حدث هذا العام وأحدث هذه الطفرة الهائلة، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا قررت الشركة إجراء كل هذه التغييرات الهائلة؟
الحقيقة أن صناعة الدراما في مصر تعاني من مشاكل كثيرة، ومن عدم وجود جهة مهمتها تنظيم العمل بين الشركات والفضائيات المتنافسة والحكم بينها في حالة الخلافات وكذلك إصدار بيانات اقتصادية صحيحة يعتمد عليها، وأعتقد أنه بعد طرح “المتحدة” في البورصة، فإن وجود هذا الكيان قد بات ملحا أكثر من أي وقت مضى.
الأسبوع القادم:
حتى لا تتكرر أخطاء القطاع العام: “المتحدة” والمؤسسة العامة للسينما