الشيخ «محمود أبوالحجاج».. صوت عذب يصدح في عالم التلاوة

لم يحالفني الحظ مرة أن التقى به وجها لوجه، ولكن حينما يذكر اسمه في ليلة أو مأتم، يهلل من حولي متحمسين وفرحين لسماعه «أبوالحجاج هيقرأ اليوم». سمعته في المرة الأولى بدقة على هاتف أحد أقاربي ممن يحبون القرآن وتلاوته. كنت في العام الأول من الجامعة، وقتها لم أتوقف أمام هذا الصوت لأنني لم أكن مهتما بعالم التلاوة ونجومها. في المرة الثانية، وكان قد مر عامان، درست فيهما علم الصوتيات، وقرأت عن المقامات الصوتية، وسمعته بعدها. كان صوته بالنسبة لي غريبا – ليس بسبب عدم حسنه- ولكن لحلاوته وعذوبته. فكم من الأصوات التي تقف أمامها حائرا بسبب غرابتها وشدة عذوبتها.

في عالم التلاوة لكل قارئ عالمه الخاص يستمد صوته من محيطه. وشيخنا أبوالحجاج استمد صوته من صلابته وظروفه في مراحل حياته الأولى: فقدانه بصره، قريته البعيدة، رحلته ذهابا وإيابا من الكُتاب إلى القرية. كل هذا يجعلك تشعر أنه صوته مشحونا بالعزيمة والمحبة معا.

الشيخ محمود أبوالحجاج

ولد محمود أبوالحجاج خير في عام 1963 بقرية أبومناع شرق، بالتحديد نجع الميات بدشنا شمال محافظة قنا بصعيد مصر. كانت القرى في هذا الوقت معدومة وصعبة في كل شيء، المواصلات والطرق والكهرباء. ولكن كل هذا أمام موهبته يعتبر لا شيء. أشار عليه جده لوالدته بحفظ القرآن، وكان ذلك في الرابعة من عمره. ظل يحفظ على يد شيخه الشيخ محمود يوسف البيضوي من عائلة البياضية بأبي مناع غرب في كُتاب بقرية أبو مناع شرق – نجع حمد. وهذا ما يذكره دائما في حديثه عن بدايته الأولى، وتنبأ له بمستقبل كبير لحفظه وإتقانه القرآن الكريم.

خمس سنوات كانت كافية أن يحفظ فيها أبوالحجاج القرآن كاملًا ويعيد مراجعته وختمه 12 مرة. حتى صار معه القرآن كسورة الفاتحة. بعدها بدأت رحلته في عالم التلاوة. كان وقتها الحاج حسين عباس السناري، من رجال قريته، يعلق له الميكروفون على جذع شجرة أمام منزله ويطلب منه أن يقرأ فيقرأ. ويعود للمنزل ليستمع إلى الشيخ صديق المنشاوي والشيخ عبدالباسط عبد الصمد، والشيخ الشحات أنور، والشيخ السيد متولي. ولكن أكثر من تأثر به وظل يقرأ على وتيرته لفترة الشيخ السيد متولي ثم بعد ذلك كون أسلوبه الخاص به.

أستاذ التجويد

عمل الشيخ محمود أستاذا للتجويد والقراءات بالأزهر. إذ كان يمارس عمله بمعهد أبومناع بحري ثم انتقل إلى معهد الميات الأزهري، يعلم الطلاب أحكام التلاوة والتجويد، ويصدح بصوته العذب في حفلاته ولياليه مع أحبابه. في عام 2011 التحق أبوالحجاج بالإذاعة، ولكنه لم يسع لها تماما. ومثلما قال: “لم تكن على البال ولا الخاطر” ولكنها إرادة الله. والتي فتحت له عالما آخر لم يخطط له من قبل في وجه بحري.

في إحدى الليالي التي كان يحييها الشيخ في القرية، كنت حاضرًا بينما كان يقرأ في سورة يوسف «وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه….»…… ظل المستمعون يطلبوا منه أن يعيدها “ونبي لتعيدها تاني دي يا شيخ محمود”. ظل كالبحر يتنقل بين المقامات الصوتية والناس هائمة منجذبة في حالة من الوجد العالي ولكنه خطفنا مرة واحدة وانتهى من القراءة.

ليالي القاهرة

وصل الشيخ إلى القاهرة وبدأ العمل في التسجيلات الإذاعية، ومعها انطلق إلى حفلات الوجه البحري. وأخيرا تسجيلات إذاعية بمسجد السيدة نفيسة، والسيدة زينب. حتى استطاع أن يسيطر على قلوب وعقول محبيه خاصة أبناء قريته يحبونه ويحبون أن يحضروا لياليه ويتفاعلون معها. يلتقطون معه الصور التذكارية خاصة في ليالي القاهرة الإذاعية. وأخيرا كانت دعوة والدته هي مفتاح محبة كل من حوله “روح ربنا يحبب فيك الغريب والقريب” كما كان يكرر.

اقرأ أيضا:

الشيخ «محمد الخواجة»: رحلة أشهر قراء القرآن والمبتهلين في قوص