دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

الروائي «طلال فيصل»: الشخصيات التاريخية مفتاح لفهم الحاضر

في أثناء تسجيل الحوار بالفيديو عبر الإنترنت مع «طلال فيصل» في منزله بألمانيا، اقتحمت ابنته الغرفة لتهديه قلبا رسمته على ورقة، تعبيرا عن اشتياقها. وفي روايته الأخيرة، الراوي هو أستاذ تاريخ يحاول تدبير النقود من أجل ابنته الوحيدة الراغبة في الهجرة من مصر، والمؤرخ في العصر المملوكي يعاني من افتقاده لابنته البعيدة عنه، وتنتهي كلمته في الرواية بقول: «اللهم جامع الناس ليوم لا ريب فيه، اجمعني بابنتي وضالتي إنك على كل شيء قدير».

اقترب طلال فيصل، الكاتب والطبيب النفسي، في روايتيه «سرور» و«بليغ» من شخصيتين شهيرتين: نجيب سرور وبليغ حمدي. الأول كان شاعرا لافتا أقام لفترة قصيرة في مستشفى الأمراض العقلية. والثاني اشتهر بعبقرية ألحانه وغرابة أطواره. وفي أحدث رواياته «جنون مصري قديم» يقترب طلال من قصة جنون تاريخية ليست أقل شهرة من «الحاكم بأمر الله» الفاطمي. وهي قصة السلطان المملوكي الأشرف برسباي، وكان هذا الحوار حول الجنون والكتابة والتاريخ.

  • نبدأ من اسم الرواية، هل هو جنون فعلا؟ هل هو مصري؟ هل هو قديم ولم ينته؟

لم تبدأ الرواية في ذهني كحكاية عن حاكم مجنون في العصر المملوكي. بل بدأت بقصة ثلاث أصدقاء يعيشون في عهده ويفقد كل منهم عقله بطريقة مختلفة: بركة وحلمه بالجندية، وسليمان الباحث عن المال، وجلال الساعي الباحث عن المجد في التاريخ. وهذا ما قادني للظروف التي أدت لجنونهم. والأغرب هو تعامل كتب التاريخ مع جنون الحاكم باعتباره شيئا عاديا رغم تأثيره على الجميع.

  • لماذا انتشرت الرواية التاريخية في السنوات الأخيرة بشكل لافت؟

لا أملك إجابة قاطعة، لكن هناك بعض الاحتمالات. قد يكون حنينا للماضي أو وجود حبكة جاهزة، والتي قد تكون فخا. لأن الرواية حتى لو كانت تاريخية فحبكتها لا تهبط عليها من خارجها. وربما يكون الهدف التحايل على الرقابة والموانع الموجودة في الحاضر، أو نجاح رواية أو أكثر من هذا النوع وتحولها إلى موضة يتبعها الكُتاب. الرواية التاريخية ليست نوعا واحدا، فمنها روايات الحنين لماض جميل، وروايات الأبطال التاريخيين “نشوف أبطال أمتنا والكلام ده”. أو الروايات التي ترجع للتاريخ بغرض الإسقاط على الواقع.

غلاف جنون مصري قديم -ديجيتال- الصورة من الروائي
غلاف جنون مصري قديم -ديجيتال- الصورة من الروائي
  • ماذا عن روايات تلميع المماليك التي برزت في الفترة الأخيرة وحازت على جوائز واهتمام، فيما يبدو كمساندة رسمية لتلك الفكرة؟

هناك فرق بين متعة الحنين للماضي كطبيعة بشرية، وبين ما هو أهم.. تأييد بعض الكتاب لمنطق حكم المماليك حتى الآن. فالسلطان برسباي انتصر على الفرنجة واستمر في حكمه 17 عاما وعاش في زمنه مؤرخون مثل “المقريزي” و”ابن تغر بردي”. “فمعلش لو كان فيه فقر أو شوية استبداد فتحصل”. وكما ذكر أحد القراء، يمكن معرفة موقفك السياسي باختيارك لمؤرخك المفضل في تلك الفترة: “بتقرأ وأنت زهقان وبتسب وتلعن زي المقريزي، فأنت رجل ثوري وفوضوي”. أو “الله على المباني والشياكة، فأنت ترى أن حركة التاريخ يغيرها الأفذاذ مثل ابن تغري بردي”، أو”مش فارقة معاك والدنيا ماشية بأمر الله فأنت بدرالدين العيني”.

لم تكن لدي رغبة محددة في هدم هذا التلميع. لكن أردت التعبير عن رأيي في ما نعانيه الآن من خلال رأيي فيما كنا نعانيه قديما. لأنني لا أستطيع أن أشيح ببصري عن معاناة الناس، كما كتبت في الرواية عن من فقد بنته ومن فقد عقله ومن حُبس ظلما في عصر “برسباي”. وعن الأستاذ الجامعي المهزوم وابنته المحبطة الراغبة في الهجرة. وقادتني الكتابة لاكتشاف أن جنون الأفراد يرجع لجنون الفترة وليس جنون الفرد. ومرجعه للظروف العامة وفعاليات السلطة التي سمحت لهذا الحكم بأن يستمر. شخصيات مثل جاني بك الأشرفي وبدر الدين العيني وابن كاتب المناخ كلهم يُسألون عن تلك الفترة.

  • أستاذ التاريخ الذي يكتب الرواية، والثلاثة الذين يعيشون في عصر برسباي، وبرسباي نفسه، شخصيات مهزومة، هل هي طبيعة عصر أم قدر الإنسان؟

ما يجمع أستاذ التاريخ  في الرواية وجلال الساعي، المؤرخ في عصر برسباي. قد تكون سمة شخصية وهي البحث عن العظمة والخلود في التاريخ، وقد ترتبط بالعصر. تتعاظم أحلام الناس الفردية في أزمة الاستبداد، وتتضخم الأحلام الفردية في الدول التي لا يحصل فيها الفرد على حقوقه الأساسية. في مصر، كلنا لدينا أحلام كبيرة، من يحلم أن يكون ابنه “محمد صلاح” في الكرة أو من العباقرة في برنامج مسابقات، أو تتعاظم أحلام المجد في الحياة الآخرة، هربا من عدم القدرة في الحياة. “معاناة الأفراد اللي مردها لجنون السلطة مين المسؤول عن ده. ده سؤال صعب جدا”.

لكني أتخيل أن هناك شراكة بينهم: برسباي هو بحسابات التاريخ شخصية منتصرة، حكمه مستقر وفاتح قبرص، صاحب إنجازات وآثار ومبان. أما في الرواية فهو صاحب ظهور شبحي، وأنت لا تسأل المجنون: هل أنت منتصر أم مهزوم؟ فمفتاح شخصيته هو جملة: “إنه سفاح، وأخطر ما فيه أنه لا يعلم أنه سفاح”. وهذا أدى إلى انتقادات للرواية لعدم وجود بطل، حتى لو كان بطلا تراجيديا. مثل “ماكبث” وانتقاد آخر أن الأحداث تمر بسرعة أمام القارئ فلا تسمح له بالتورط عاطفيا مع أحد شخصياتها.

في البداية كتبت أن البطل هو جلال الساعي، ثم قادتني الكتابة لبرسباي، ثم وجدت أن البطل هو طبيعة الدولة. لكنها بطل غير واضح. أتذكر رواية لديستوفسكي “الشياطين”، البطل فيها هو “الاضطراب العام”، وليس أفراد القرية. أيضا تأثرت بروايتي “يوسا”، حرب نهاية العالم، زمن عصيب، في شبحية ظهور البطل رغم تأثيره على الأحداث.

  • عن صوت المؤرخ كسارد للرواية.. هل أثر في تدفقها بالتعليقات والشروح؟

كان هدفي البحث عن “شاعرية التاريخ”، كنت ابحث عن تعليقات المؤرخ وتأثره واندهاشه بما يشاهده من وقائع. كأن الرواي يمارس معنا النميمة عن أبطال الرواية. وهو أسلوب يستخدمه كتاب مثل ساراماجو وكونديرا “أنا كان عندي طموح إن أنا ألاقي سردية التاريخ أو الشعرية جوه سردية التاريخ، كلام مثقفين قوي ده.. بس ماشي”.

  • بليغ، سرور، جنون مصري قديم، روايات طلال فيصل الثلاثة تدور حول شخص، هل سبب ذلك طبيعة عملك كطبيب نفسي؟ هل يمكن أن تكتب رواية لا تدور حول شخصية بارزة؟

لا نتحكم كثيرا فيما نكتبه. يبدو لي أنني أرى الشخصية كمفتاح لفهم التاريخ وفهم العالم، وممكن – وده انتقاد أوجهه لنفسي طوال الوقت- أنني لست جاهزا بعد بالأدوات اللازمة لحكي الحكاية بشكل كامل. مؤكد أن عملي وقراءاتي لهما دور، وأنت لا تُحكم سيطرتك على كتاباتك كما تتصور. عموما، الرواية القادمة “حلم مصري طويل” رواية طبيعية جدا. تدور في زماننا، وبطلها صيدلي، وليس بها تاريخ أو سيرة شخص معروف.

اقرأ أيضا:

المعماري «وليد عرفة»: نعيش لحظة ضعف.. والعمارة المصرية الآن بـ«عافية»

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.