تصفح أكبر دليل للفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

إحياء تراث «حي الخليفة»: مشروع تخرج يدمج الهوية المصرية بالفن المعاصر

انطلاقا من تاريخ منطقة السيدة نفيسة، وتحديدا شارع الأشرف في «حي الخليفة»، استلهم طلاب قسم الزخرفة بكلية الفنون التطبيقية – جامعة حلوان، من القاهرة التاريخية، مشروع تخرجهم بعنوان «القاهرة التاريخية – إحياء تراث حي الخليفة»، الذي جمع بين الإبداع المعاصر والهوية المصرية.

قدم 55 طالبا وطالبة المشروع تحت إشراف الدكتورة منال عبدالرحيم حسن والدكتورة داليا أحمد الشرقاوي، بهدف استكشاف تاريخ القاهرة العريق وإعادة تفسيره من خلال تقنيات فنية حديثة. ويعرض بعض الطلاب أعمال المشروع في معرض فني بعنوان «الهوية.. بعيون عصرية»، يفتتح غدا الاثنين في أتيليه القاهرة.

القاهرة التاريخية

حول اختيار “القاهرة التاريخية” كمجال للمشروع، أوضحت د. داليا الشرقاوي أن السبب يعود إلى أن هذا المكان يعد مرآة لتعدد ثقافات مصر وتنوعها.

وبحسب وصفها لـ”باب مصر”، يعكس هذا الموقع التراكم الحضاري وتعدد الدول التي حكمت مصر، بداية من الدولة الفاطمية وحتى عصر الملكية، بما شكل نسيجا معماريا متصلا ومتجانسا. هذه التراكمات أسهمت في تشكيل الشخصية المصرية بشكل مؤثر حتى اليوم. وترى أن الهدف من المشروع لا يقتصر على الإحياء البصري أو الجمالي، بل إعادة اكتشاف الذات والهوية والانتماء من خلال التصميم.

لا يقتصر المشروع على البعد التاريخي أو الهوية فقط، بل يتناول المساحات المفتوحة والجمالية، والتفاعل مع الفضاء المعماري. مع التركيز على التصوير الجداري، وكذلك الأرضيات والزخارف التي لها علاقة بالعمارة والبيئة.

شخصيات من التاريخ

تولت الدكتورة منال عبدالرحيم، رئيسة قسم الزخرفة والمشرف على المشروع، الإشراف على الجزء الخاص بـ”الفيديو آرت” والميديا الرقمية. ومساعدة الطلاب في التعامل مع تقنيات التصوير والتحريك والإخراج.

وقالت لـ”باب مصر”: “عملنا على محاور أخرى مثل استكشاف فكرة الشخصية المصرية، التي تحولت عند بعض الطلاب إلى قصص مصورة مستوحاة من البيئة المحلية”. يتضمن المشروع عدة اتجاهات: التصوير الجداري، الرسوم المتحركة والتصوير القصصي. وقد أطلق الطلاب العنان لخيالهم في تنفيذ هذه الأعمال. فعلى سبيل المثال، جسد أحد الطلاب شخصية السلطان حسن، محولا إياها إلى شخصية متحركة تتحدث عن نفسها وتعرف بتاريخها وعمارتها. ووصفت د.منال هذا العمل بأنه نموذج رائع لاستحضار التاريخ بأسلوب فني معاصر.

بينما نفذ طالب آخر لعبة تفاعلية تُعرف اللاعبين على المناطق التراثية من خلال اللعب. وأضافت: “المشروع ليس للمشاهدة فقط، لكن للمشاركة والتفاعل مع المكان والتاريخ بأكثر من طريقة”.

تطوير المناطق التاريخية

تتمنى د. منال عرض هذا العمل على الجهات المسؤولة، ليتم دمجه في خطة تطوير المناطق التاريخي. وقالت إن الطلاب لم يقدموا رؤية فقط. بل أيضا آليات تنفيذية ومقترحات عملية ومقاطع فيديو توضيحية.

وفيما يخص الاستلهام من التراث، أوضحت أن الهدف هو غرس الإحساس بجماليات الماضي في الطلاب، وإدراكه كمصدر إلهام حقيقي في التصميم المعاصر. مع الحفاظ على الهوية المصرية وإعادة تقديمها برؤية حديثة.

واستكملت حديثها: “تم توزيع المشروع على تخصصات مختلفة، من خلال التصوير والرسم. وعمل الطلاب على تنفيذ أفكار متنوعة. وقد تأثروا بالمناطق التاريخية التي زاروها، والتي انعكست بوضوح على أعمالهم”.

النساء من صفحات التاريخ

ألهمت القاهرة التاريخية إحدى الطالبات في تخيل شخصيات نسائية من عصور قديمة. وابتكرت لكل شخصية قصة وشكلا خاصا بها. وقالت د. منال: “كان مشروعا بصريا متكاملا، وكأننا نعيد إحياء النساء من صفحات التاريخ برسوم معبرة وحس إنساني”.

بينما صممت طالبة أخرى كوميكس مستوحى من البيئة الشعبية، ووزعته في شكل كروت. وأضافت المشرفة: “كل كارت يروي قصة مصغرة من تلك الفترات الزمنية، ما يساهم في نشر الثقافة للأطفال بطريقة ممتعة”.

وأشارت إلى أن من أبرز التجارب التي خرج بها المشروع كانت في مجال الأنيميشن، قائلة: “قدم الطلاب قصصا تدور أحداثها بالكامل في قلب القاهرة التاريخية. وسمح لهم هذا الفن بمزج الخيال مع الواقع، وابتكروا مشاهد تنقل أماكن مثل شارع الأشرف والسيدة نفيسة وشارع الخليفة. لكن بشكل تعبيري فني ودرامي يحمل طابعا توثيقيا”.

تراث حي

ترى د. منال أن التراث المصري يمثل فرصة غنية للإبداع، وأن الاهتمام به يمنح العمل الفني جذورا وأصالة، تجعله أكثر عمقا وتأثيرا. وأوضحت أن الفكرة لا تقوم عدم نقل الماضي، بل على إعادة تفسيره بفكر معاصر.

وعن تفاصيل تنفيذ مشروعات الأنيميشن، أوضحت أن الطلاب مروا بمراحل عديدة: من تصميم الخلفيات والشخصيات، إلى تعلم أدوات التحريك الرقمي باستخدام برامج متخصصة. وقالت: “كان المجهود كبيرا، لكن النتائج مشرفة، وتدل على استعدادهم الحقيقي لسوق العمل”.

الهوية المصرية

تشاركت د. منال ود. داليا مسؤولية الإشراف على المشروع وتوجيه الطلاب. وأشارت د. داليا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تشرف فيها على مشروع تخرج يدور حول “الهوية المصرية”، باعتبارها القضية التي تشغلها منذ سنوات.

وأردفت لـ”باب مصر”: “كل مشروع أشرف عليه يحمل تساؤلات حول من نحن؟ وإلى أي شيء ننتمي؟ الطلاب يعيشون حالة من الضبابية تجعلهم غير مدركين لهويتهم المصرية الأصيلة. رغم أن مصر تملك تاريخا عظيما يمتد لآلاف السنين، من عصور الإنسان البدائي وحتى الحضارات المتعاقبة”.

لكن المشكلة، كما وصفها، أن أغلب الناس – وخاصة الأجيال الجديدة – لا يدركون ثراء هذا التراث. ولا يرونه إلا من منظور ضيق ينحصر في الأهرامات. بينما “التراث المصري في الحقيقة ممتد عبر طبقات تاريخية متعددة”.

جانب من مشروع التخرج
جانب من مشروع التخرج
شارع الأشرف في الخليفة

استلهم الطلاب من البيئة المحيطة، والتراث، والتاريخ، والعناصر البصرية المتعددة في الشارع المصري، لتقديم منتج فني بصري جديد. تمثل في أفلام الرسوم المتحركة والتصوير القصصي.

ومن هذا المنطلق، أجرى الطلاب العديد من الجولات الميدانية في القاهرة، حتى استقروا على منطقة السيدة نفيسة، وتحديدا شارع الأشرف في الخليفة. واستكملت د. داليا قائلة: “يمر بهذا الشارع جزء من “القرافة” التي تجرى فيها حاليا عمليات هدم “.

وترى الشرقاوي أن هذه المنطقة كانت فرصة حقيقية للإبداع، من خلال رصد المساحات المفتوحة وإعادة تصورها. مضيفة: “خاصة بعد إعلان الدولة نيتها تحويل المقابر القديمة لمساحات خضراء، ما فتح لنا بابا للتدخل التصميمي”. وقد حرص الفريق في المشروع على الحفاظ على المعالم ذات القيمة، مثل مقبرة حافظ إبراهيم، والشيخ محمد رفعت، ومقابر أخرى لرموز تاريخية وثقافية لم تُهدم بعد.

إعادة إحياء المسارات القديمة

قالت د. داليا: “المشروع ليس تصميم فقط، نحن نفكر في علاقتنا بالمكان، ونحاول إيجاد صيغة تعبر عن هويتنا، وتربطنا بجذورنا بدون الانفصال عن الواقع”. وقد اعتمد التصميم على إحياء المسارات التاريخية الممتدة من جامع السيدة نفيسة إلى باقي المزارات مثل السيدة سكينة، والسيدة رقية.

وتصف هذا الشارع بأنه ليس فقط مزارا دينيا فحسب، بل هو مشهد بصري وروحي متكامل. يوجد به أسبلة وبيوتا تاريخية، مثل منزل ساكنة بك، وهي شخصية نسائية معروفة من أوائل القرن العشرين.

كما استفاد المشروع من تعدد الطرز المعمارية والزخرفية الإسلامية في المنطقة، سواء في الشكل الخارجي أو الطابع العام للشارع. وقالت: “عمل الفريق على تطوير العناصر التي جمعناها ميدانيا، ثم تواجد الطلبة في هذه المناطق بأنفسهم من خلال تصاريح رسمية. وعملنا على خطة متكاملة بين التاريخ والمعاصرة”.

الطبيعة الاجتماعية

من النقاط المهمة التي ركز عليها الفريق، بحسب د.داليا، مراعاة الطبيعة الاجتماعية والدينية للمنطقة. وقالت: “يأتي الناس لزيارة المقامات وأداء الصلاة، وتقام خلالها نفحات، وتوزع الذبائح، وتقدم الأطعمة. وكان من الضروري أن نأخذ كل ذلك في الاعتبار أثناء التصميم”.

انشأ الطلاب “تكية” مفتوحة في قلب المشهد الطبيعي (اللاندسكيب)، ليجلس فيها الناس وتنظم فيها الأنشطة. مع الحفاظ على الخصوصية  الدينية والاجتماعية للمكان. كما تم تصميم مسرح مفتوح لعروض المولوية، مُحاط بمساحات خضراء.

ولم يغفل المشروع البُعد الإنساني والبيئي، إذ اهتم بمسألة حيوانات الشارع المصري. حيث قالت: “وضعنا خطة تتضمن أماكن مخصصة للطعام والماء والظل، لتكون هذه الحيوانات جزءا من المكان دون أن تتعرض للأذى. وهذا بدوره نوع من تهذيب النفس. لأن المكان الروحاني ليس مخصصا للبشر فقط، بل لكل الكائنات التي تعيش فيه”.

جولات بالقاهرة التاريخية

ترى د. داليا أن المشروع حقق أهدافه الأولى، مشيرة إلى تفاعل الطلاب الكبير، قائلة: “اندمجوا بقوة مع القاهرة التاريخية، وتحمسوا خلال الجولات الميدانية، التي تضمنت شارع المعز لدين الله الفاطمي، باب الوزير، سوق السلاح، درب اللبانة”.

ورغم أهمية المشروع، أوضحت أنه لم يكن هناك تعاون مع أي جهة رسمية أو أهلية، وأضافت: “اشتغلنا بإمكانياتنا، وده يمكن خلى التجربة أكتر حرية، لأن الطلاب تعاملوا مع الناس والمكان بشكل مباشر ومن غير وسيط، وده خلق عندهم وعي بالمكان وشخصيته وتاريخه”.

تغيير ملامح المنطقة

لم يكن حي الأشرف مُلهما بسبب عماراته فقط، بل وجد الطلاب خلال البحث الميداني في أهالي حي الخليفة جمالا وجاذبية نادرة، التقطوا لها الصور وكتبوا الملاحظات.

وأوضحت د. داليا إحدى المشكلات التي واجهت الطلاب: “كثيرون منهم لم تكن لديهم خلفية كافية عن طبيعة المناطق القديمة. فلم يستطيعوا التمييز بسهولة بين ما هو موجود وما قد اختفى بفعل الهدم. فالأماكن المُهدمة واضحة لكل مرتادي المكان. لكن لا أحد ينتبه لما تم فقده إلا من يعرف المنطقة مسبقا”.

ولم يواجه فريق المشروع أزمات تذكر، إذ تجولوا في مناطق معروفة وكان معهم التصاريح اللازمة. واختتمت الشرقاوي: “أتمنى أن تتحول هذه التجربة إلى مبادرة مستمرة”.

موكب المحمل من مشروع تخرج القاهرة التاريخية إحياء تراث حي الأشرف
موكب المحمل من مشروع تخرج القاهرة التاريخية إحياء تراث حي الأشرف
موكب المحمل

وثق مجموعة من الطلاب موكب المحمل، تلك الرحلة العظيمة التي كانت تبدأ من قلب القاهرة إلى مكة، عندما كانت مصر تصنع كسوة الكعبة المشرفة.

وعن كواليس المشروع، قالت د. داليا: “بحث الطلاب عن المسار الذي كانت تسلكه الكسوة، وجمعوا صورا أرشيفية، ودرسوا المناطق التي مر بها الموكب، وأعادوا تشكيل هذه الرحلة الفنية في عمل فيديو آرت عن احتفالية طريق المحمل. بالإضافة إلى تنفيذ لوحة تصوير جداري تعكس أجواء الاحتفالات والموسيقى والمشاعر الروحانية المصاحبة للمسار، حتى الوصول إلى القلعة، ومنها إلى طريق الحجاز”.

وقد حظي هذا العمل بإعجاب كبير من الدكتور رضا عبدالسلام، أستاذ الفنون الجميلة، الذي ناقش الطلاب في مشروع تخرجهم، واقترح عرضه على شيخ الأزهر، ليكون جزءا من المتحف الخاص بالأزهر. لما يقدمه من توثيق بصري وفني لإحدى أعرق الشعائر التي قامت بها مصر عبر التاريخ.

واختتمت د. داليا حديثها قائلة: “الموضوع لم يكن مجرد خطة هندسية أو تصويرا جداريا فنيا، بل هو توثيق ثقافي وروحي لمنطقة بأكملها”.

اقرأ أيضا:

«زياد الرحباني» في مصر: حكايات حب وصداقة من القاهرة إلى بيروت

معرض في باريس يعيد رسم صورة «كليوباترا» بعيدا عن روايات الغرب

مزاد فني لدعم «درب 1718» بعد هدم مقره: الفنانون يردّون الجميل

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.