فؤاد المهندس.. مائة عام من الضحك في خدمة التحرر

دعوة لاحتفال قومي بمئوية المهندس العام القادم..تشارك فيه كل هيئات الثقافة في مصر

في سبتمبر العام المقبل 2024 تحل الذكرى المائة لميلاد فؤاد المهندس. أكد لي ابن الفنان الكبير، الأستاذ أحمد المهندس أن تاريخ ميلاد النجم هو سبتمبر 1924، حاسما بذلك التساؤلات حول التواريخ المختلفة المذكورة في الفضاء الأزرق، والتي ناقشتها في كتابي “مهندس البهجة. فؤاد المهندس ولاوعي السينما”. أتمنى أن يفتح “باب مصر” ذراعيه لاحتضان دعوتي لتنظيم شهر من الاحتفالات الشعبية والرسمية بمئوية الفنان الكبير، الذي أسعد الملايين من الناطقين بالعربية في مصر ومن المحيط إلى الخليج. ومن ثلوج كندا إلى غابات أستراليا بين عرب المهجر، على مدار حياة فنية دامت ما يزيد على نصف قرن.

فؤاد المهندس ليس مجرد مهندس البهجة التي رسمت البسمة وأثارت القهقهة. والذي صاحب أجيالا متوالية كشاب يشبه شباب لحظة التحرر الوطني، وكرجل مثل الملايين من رجال البناء الوطني وكهول نهايات القرن العشرين وجدود القرن الحادي والعشرين. كمهرج شيك وزوج شاب في برنامج “ساعة لقلبك”. أو كرجل في مقتبل العمر يعمل ملحنا أو كاتبا على الشاشة، أو كمدرس بسيط الحال أو معلم إتيكيت للارستقراطية على خشبة المسرح. أو كصوت يدغدغ أسماعنا كل صباح في “كلمتين وبس” بالإذاعة، أو كجد شاب الروح نسميه “عمو فؤاد” في فوازير لم تعرفه إلا من خلالها الملايين من أطفال مصر في القرن الحادي والعشرين. فؤاد المهندس علم من أعلام مصر الحديثة في طور التحرر الوطني. فالتحديث والتحرر لم يصنعه فقط رجال جادون عابسون، والفكاهة -وفؤاد المهندس من رموزها- عاطفة من عواطف الحداثة. وملمح أساسي في أخلاقيات المدينة المستنيرة، وحد فارق بين تجهم الظلامية وتبسم الاستنارة.

منجز فؤاد المهندس كما وكيفا يجعل منه مساهما فعالا متميزا في الإنتاج الثقافي باللغة العربية منذ مرحلة التحرر الوطني حتى وفاته في مطلع القرن الحادي والعشرين. واستمرار أعماله التي تعيد الحياة يوميا إلى ذكراه، طازجة راهنة متجددة. بعد وفاته بما يقرب من عشرين عاما، أكبر دليل على هذا.

***

بمناسبة ذكرى ميلاده المائة، فؤاد المهندس جدير بأن تكون أعماله موضوعا لمؤتمر علمي يقيمه المجلس الأعلى للثقافة أو معهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون. وقد أثبتت الدراسات القليلة الجادة التي تناولت فن المهندس جدارته بأن يكون إنتاجه من مسرح وسينما وتلفزيون ودراما إذاعية موضوعا للبحث الأكاديمي.

المهندس مع محمد رضا في واحدة من رحلاتهم الإفريقية
المهندس مع محمد رضا في واحدة من رحلاتهم الإفريقية

ويستحق فؤاد المهندس أن تقدم إحدى مسرحياته على خشبة المسرح القومي، مسرح الدولة العريق. ولتكن إحدى مسرحيات الريحاني التي اشتهر بها المهندس. مثل “السكرتير الفني”، باعتبار أنها من كلاسيكيات المسرح العربي. وباعتبار أن النص ليس له حقوق مؤلف، نظرا لتقادمه ووقوعه في المجال العام. والمسرحية على أي حال مقتبسة اقتباسا شديد الأمانة من مسرحية “ياقوت” أو “توباز” من تأليف الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير مارسيل بانيول. وبالتالي لا يجوز اعتبارها تأليفا صرفا. لكن الأوفق والأكثر تماشيا مع موقع فؤاد المهندس من ثقافتنا الدارجة اليوم. أن تمثل مسرحياته على خشبات المسرح الجامعي ومسارح قصور الثقافة. فقد بدأ المهندس خطواته الفنية هاويا بالمسرح الجامعي. وقد صارت أعماله جزءًا من الثقافة الجماهيرية، التي كانت اسم الميلاد لهيئة قصور الثقافة.

***

أما التلفزيون الرسمي فيمتلك تراثا هائلا من مسرحيات فؤاد المهندس وأفلامه. وكثير من تلك المسرحيات من إنتاج مسرح التلفزيون ذاته في الستينات. وما أجدر ماسبيرو أن يعرض فيلما في فترة الظهيرة. كما جرت العادة كل نهاية أسبوع على مدار عقود منذ إطلاق البث التلفزيوني المصري عام 1960. وليكن فيلم في الظهيرة وفيلم في فترة السهرة على القناة الثانية -مثلما في زمن الحنين- على مدار ذلك الشهر المقترح لتكريم المهندس: سبتمبر 2024. حيث تحل ذكرى ميلاده المائة وذكرى وفاته الثامنة عشر.

وصل فؤاد المهندس إلى قمة النجومية في الستينات، في لحظة سبقت منح الدولة لقب “فنان الشعب” لبعض رموز الحداثة الفنية في عصر النهضة المتأخرة، أي في مطلع القرن العشرين. فمع حلول السبعينات، كانت أجهزة الثقافة والإعلام الرسمية، وكذلك كانت الصحافة تطلق لقب “فنان الشعب” على يوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب. وبشكل رمزي لا رسمي، كان سيد درويش يطلق عليه كذلك تعبير “فنان الشعب”. واختفى سريعا ذلك التقليد بعد توثق تحالف مصر مع الولايات المتحدة في منتصف السبعينات. لأنه مستوحى من تقاليد راسخة أرساها الاتحاد السوفيتي مع تثبيت أركان الحكم الثوري في روسيا والجمهوريات السوفييتية المتحدة معها.

لكن اليوم اختفى الاتحاد السوفيتي من المشهد. وبقي لقب “فنان الشعب” بمعناه في حد ذاته. جديرا بأن يطلق على فنانين ظلت ذكراهم حية في الذاكرة الجمعية، أو في ذاكرة الشعب. فؤاد المهندس جدير بأن يسمى “فنان الشعب”. وبأن نحتفل بذكراه المائة احتفالا قوميا.

اقرا أيضا:

وليد الخشاب متأملا تجربة فؤاد المهندس: الكوميديا مسألة جادة!

للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي:

Babmsr Newsletter

النشرة الإخبارية الشهرية
مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر