“الآثار” تستعين بـ”صنايعية محارة” لترميم أقدم مساجد الإسكندرية

 

 

في منطقة ميدان النصر بالإسكندرية، يلفت نظرك مبنى أثري عتيق، وسط بائعي الخضراوات والفاكهة، يعود بك إلى مئات السنين، بشكله المستطيل.

مسجد الشوربجي، واحد من أعرق المساجد الموجودة بالثغر تاريخًا ومعمارًا، ويعد ثاني مسجد أنشئ بالإسكندرية، وهو مسجل ضمن الآثار الإسلامية بالقرار الوزاري رقم 10357 لسنة 1951 ميلادية.

بحسب المكتوب على واجهة الباب الرئيسى لبيت الصلاة، فإن المسجد أنشئ في شهر ربيع الآخر عام 1171 هـجرية- 1758 ميلادية، أنشأه الشيخ عبدالباقي الشوربجي، وهو الحاج عبدالباقي جورجي، ابن المرحوم محمد الشرنوبي الشهير نسبه “بزقوقج” وهو سكندري، مغربي الأصل.

يتكون المسجد من مستويين، الأول يشمل الحوانيت والثاني يشمل الخرجات وبيت الصلاة، والواجهة الرئيسية تطل على الميدان، ويبلغ طولها 42.15 متر وارتفاعها 11.35 متر، وهي مستويان والجزء السفلي عبارة عن مجموعة من الحوانيت عددها 11 حانوتًا (الحوانيت محلات تشبه الدكاكين حاليًا).

وفي المدخل الغربي هو الرئيسي أشبه بالمداخل التذكارية، والواجهات الفرعية، وتتمثل في واحدة طولها 11.35، والجزء السفلي منها حوالي 6 حوانيت، أحدهما خاص بالسبيل والواجهة الجنوبية مبنية بالطوب الأحمر بها فتحة الباب.

تاريخ إسلامي

يتكون مسجد الشوربجي الأثري، ويعد من المباني المعلقة، من الطابق الأرضي، ويشغل مجموعة من الحوانيت، وميضأة للمياه، ومحلين يستخدمان بيت القهوة، أما الطابق العلوي فمكون من ثلاث خرجات تحيط بالمسجد، ما عدا الجهة الجنوبية “القبلة”، وجميعها مسقوفة بسقف خشبي معلق، وبالطابق العلوي “بيت الصلاة”، بحسب وصف الدكتور نادر صلاح، الخبير الأثري بالإسكندرية.

وعن شكل المسجد، يوضح صلاح، أن الواجهة الرئيسية للمسجد تتكون من شرفة تعلو حوانيت الطابق الأسفل، وتمتد بطول الضلع الجنوبي، حيث تنتهى عند المدخل الرئيسى، وتتكون من “بائكة” من ثمانية أعمدة رخامية، تعتمد عليها تسعة عقود مدببة ممتدة يصل بينهما أعمدة ربط خشبية.

ويشرح الخبير الأثري أن بداخله تجد حواف العقود مزخرفة بـ”الحجر الأبلق” (الحجر الأبلق: أحد الفنون الهندسية الإسلامية التي كانت تتسم بها العمارة في بلاد الشام ومصر)، ويوجد فتح في خواصرها نجمة سداسية، ويتقدم الشرفة من أعلاها مظلة خشبية ينتهي طرفها الخارجي بشرفات خشبية صغيرة وزخرف سقفها بنقوش زيتية بديعة.

قيمة لا تقدر

الدكتور محمد عبدالكريم، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الإسكندرية، يقول إن القيمة الأثرية للمسجد لا تقدر بثمن، وقد كشفت أعمال الترميم، التي قضت علي أكثر أثاره، عن عناصر زخرفية إسلامية رائعة الجمال، ترجع لأكثر من 252 عامًا، لم تكن ظاهرة للعين المجردة، إذ كانت مختفية تحت عشر طبقات من الدهان الخاطئ، الذي شوه تلك التحفة الأثرية.

عبد الكريم يوضح أن تلك الزخارف ورد ذكرها في الوثيقة التاريخية لإنشاء المسجد، مشيرا إلى أن الخبراء أزالوا تلك الدهانات الحديثة وجرى معالجة العناصر الزخرفية التي تم الكشف عنها، وجرى صيانتها وعزلها عن الدهانات الصناعية، التي لوثتها وشوهت تاريخها.

ويرى أن المجلس الأعلي للآثار أوكل مهمة ترميم هذا الأثر العظيم إلي عمال بناء لا يدركون معنى وقيمة ومعرفة التعامل مع الآثار، بل أهملوه لدرجة أن الحجريات الأثرية أصبحت ملقاة مع مخلفات البناء والقمامة، ما يجعلنا نعلم أن بلادنا لا تهتم بتلك الأثريات العظيمة التي من الممكن أن تستغل وتدر دخلنا كبيرا عن طريق السياحة.

الإهمال

أما حمدي سعدان، الباحث الأثري بالإسكندرية، فيقول إن تكلفة ترميم مسجد الشوربجي أو مسجد عبدالباقي الجوربجي بلغت 30 مليون جنيه، طبقا للمجلس الأعلى للآثار، إلا أنه لن يحدث أية أعمال ترميم للمسجد بل ما يحدث هى عملية تخريب، ناتجة عن الإهمال.

يضيف سعدان أن المسجد يتعرض لانهيار بعد تهدم أجزاء منه، إذ تهدم جزء من سقف الوكالة الأثرية التابعة للمسجد، وسقطت أجزاء من السقف لتهدد انهيار المسجد الأثري، كما أن المسجد تعرض في عام 2011 إلى هدم عمود أثري خلف المسجد.

ويوضح أن الآثار أجرت ترميمًا للعامود، إلا أن عملية الترميم توقفت في عام 2011، بسبب توقف الاعتمادات المالية أثناء ثورة 25 يناير الماضية، ولم تستكمل أعمال الترميم وأهمل المبنى العظيم.

تشويه التاريخ

أما علي فرج، أحد تجار المنطقة، يقول إن المسجد أغلق منذ عام 2010، بسبب انهيار أحد أجزائه، وقد كان مزارًا أثريًا قبل إهماله، وكان يستقبل وفودًا من جميع أنحاء العالم، حتى أصبحت جدرات المسجد خاوية ومليئة بالأتربة والغبار، ومحاطة بالقمامة.

ويوافقه الرأي جميل صبحي، أحد سكان المنطقة، ويضيف أن الكارثة الكبرى حين ترى مقتنيات المسجد الثمينة من الشبابيك الزخرفية المنحوتة، ملقاة على الأرض مع القمامة والنفايات ومخلفات البناء، التي تخرج من المسجد، بجانب تحوله إلى ملاذ لقطط الشوارع والكلاب الضالة ومأوى للخارجين عن القانون.

ويضيف صبحي أن المسجد لا يوجد عليه أية حراسات، لا من قبل هيئة الآثار ولا من قبل الشرطة، ما عرضه لنهب وسرقة مقتنياته، بجانب انتشار الباعة الجائلين وبائعي الخضراوات، ومحلات العطارة، ما شوه المنظر الجمالي، وجعل السائحين ينفرون منه.

أما محمد متولي، مدير إدارة الآثار الإسلامية والقبطية بالإسكندرية والساحل الشمالي، فيقول إن التجاليد الخشبية الزخرفية التي كانت تحيط بشبابيك المسجد جرى ترميمها وإعادتها إلي حالتها الأولى، إذ كانت جدران الشبابيك مبطنة من الداخل بكسوات خشبية عليها عناصر زخرفية قديمة ونادرة، كما أن عملية الترميم للمسجد بأكمله مازالت مستمرة.

ويشير متولي إلى أن تكلفة ترميم المسجد بلغت نحو 30 مليون جنيه، وقد أشرف عليها المجلس الأعلى للآثار، موضحًا أن كل ما حدث من انهيار كان في الوكالة الأثرية المجاورة للمسجد والتابعة له، إذ سقطت أجزاء من السقف بها نتيجة تهالك وتسوس الأخشاب لارتفاع درجات الحرارة.

ويوضح متولي أن الإدارة رفعت مذكرة للمطالبة باعتمادات مالية لبدء عملية الترميم، موضحًا أن الجزء الذي سقط لم يجر ترميمه من قبل، لذلك تأخرت عملية الترميم.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر