محطة الرمل.. من أين يأتي كل هذا الحزن؟

هل تشبه رائحة محطة الرمل رائحة مطاحن البن القديمة؟ هل لهذا أحيانا تظن أن بها حزن وكآبة؟

وهل تظن أن الروح الحزينة للإسكندرية تتركز فيها ثم تتوزع على بقية المدينة؟

من أين يأتي الحزن في محطة الرمل؟

من شارع سعد زغلول أم من شارع السلطان حسين؟

تقف أمام الخريطة ودليل المدينة وتشعر بالضياع. يوجد شيء غامض في محطة الرمل. ربما هو النور الذي اختفى رغم أن الضوء أصبح أقوى من الماضي. ربما في شوارعها الجانبية.. مطاعم الفول الفقيرة التي عمل فيها محمد حافظ رجب، وكان يحب وقفته أكثر أمام سينما ستراند، يبيع اللب ويقف على باب السينما وحافة الخيال.

إلى ماذا ينظر الجالسون على الكورنيش أمام البحر وهم يمنحون البحر ظهورهم؟ إلى الروح الحزينة لمحطة الرمل؟ الجالسون أمام مول سان ستيفانو يجدون مبنى ضخما لينظروا إليه، أما هنا في محطة الرمل لا مبنى خياليا ينظرون إليه. ليس كل الذين يمرون بها سعداء؛ بعضهم مرضى تحركوا من المستشفى الميرى ليشتروا الدواء من الصيدليات الكبرى، أو سيدخلون السينما لينسوا مرضهم. ربما هؤلاء حزانى لأنهم أبطال آخر فيلم عرض في سينما ريالتو قبل هدمها، ويسيرون الآن في الشوارع  على غير هدى، بدون قصة تحميهم.

***

تتبع رائحة البن كما يتبع مخبر مجرما يبحث عنه. تراقب صورتك في فتارين المحلات القديمة. كان هذا وجودك. أشعر أني فقدت شيئا ما في محطة الرمل. ربما عند الخريطة القديمة، أو في سينما رويال وأنا أشاهد فيلما لجاكي شان. أحيانا أذهب لمقهى كريستال لأبحث عما فقدته، لكني لا أجد المقهى ولا المبنى ولا أجد علي عاشور يجلس ويرسم علاء خالد. لا يوجد في النبى دانيال الآن كتب حزينة. أجلس على البوابين لأنى لا أستطيع الجلوس في سيسيل. أشعر بالفقد في محطة الرمل. أبدأ البحث من سينما راديو، ربما من باعة الصحف في محطة القائد إبراهيم، ثم أتابع البحث عند باعة الصحف في محطة الرمل، أستمر في السير مرورا بستراند لسينما أمير وريالتو، ربما هناك رابط رومانسي بين شارع سعد زغلول وصفية زغلول، لكن شارع سعد يهتم بالتجارة والمحلات التجارية، بينما يهتم شارع صفية بالسينما والمكتبات.

***

تبدو الحياة عاطلة في محطة الرمل. حلمت أنهم حولوها لمول ضخم بأبواب وأفراد أمن. مول يشمل الميدان كله، لا يمكنك الجلوس أو الحركة بحرية، يمكنك فقط الشراء. قلت سأشتري.. أنا آتى إلى محطة الرمل لأشتري، لكن بجوار الشراء أريد السير والتسكع قليلا. كان المول منظما ونظيفا ورائحته جميلة، لكنك لا تستطيع أن ترى قلعة قايتباى من أول صفية في لقطة طويلة بطول الشارع في الغروب، ولن تجد الشمس الصفراء في شارع طلعت حرب، ربما تراها في السينما، لا تتعب نفسك بالبحث عن فيلم، بالدوران على دور السينما، قف هنا واختر، لن تجد حزنا في المول.. ربما بهجة أكثر!

اقرا أيضا:

«جولة ميم المملة»: الأيام الأخيرة لمحمد حافظ رجب في «جزويت الإسكندرية»

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر