صور| “النخيل” ما بين الألعاب والأمثال والموروثات الشعبية

قالوا الجمل طلع النخلة، قلت أدي الجمل وأدي النخلة“، مثل شعبي مازال يحتفظ بترديده عند التشكيك فيما يقال من شخص ما، ولا تزال النخلة هي الشجرة الملهمة ذات الاستخدامات المتعددة التي لا غنى عنها كرمزا للخير إذ أن كل ما فيها له استخدام وفائدة.

والنخلة من أكثر الأشجار التي تدخل في حياتنا اليومية، وخاصة في محافظة الفيوم، فهي تدخل في الكثير من الصناعات الحرفية الهامة، وقد أثر النخيل في الحياة اليومية للأهالي وموروثها الشعبي.

النخيل قديمًا

عرف المصريون القدماء أهمية النخيل، فقد تم استخدامه منذ عصر الأسرة الأولى، حيث استخدمت جذوع النخيل في تشييد البيوت والحظائر وعمل الكباري البسيطة والبدائية للمرور من على القنوات المائية ولا زالت إلى الآن بعض القرى بمراكز الفيوم تستخدم تلك الطريقة.

كما تم استغلال سعف النخيل في تصنيع السلال، والمقاطف، والأطباق، والصناديق، وغيرها، وتوجد تلك الصناعات إلى الآن بقرى الفيوم، وتم استخدام “عراجين” النخيل بعد جمع البلح منها كمكانس للأرضيات وهي إلى الآن تستخدم أيضًا في القرى، واستخدام الليف الخاص بالنخيل في الاستحمام وصنع الشباك لجمع المحاصيل وربط الأشياء على الدواب، وصنع الحبال، كما كانت تستخدم أشواك النخيل قديما في مصايد الأسماك وكأبر للخياطة، ويصنع من جذوع النخلة أيضًا السلالم والأثاث المنزلي وبعض الأبواب.

وكانت النخلة محببة للإلهة “حتحور” قديما، فقد كان يطلق عليه من ضمن ألقابها “سيدة نخيل البلح”، كما تم ذكرها في كتاب قدماء المصريين المسمى بـ(كتاب الموتى)، حيث يقول: “الظافر نو، رئيس القصر والحامل لخاتم الملك”، هل لي أن أجلس في مكان نظيف تحت ظلال نخلة الإلهة “هاتور”.

النخلة في الأديان السماوية

في اليهودية، تم ذكر النخيل في التوراة حيث اعتبر التمر وعصارته “الدبس” من الثمار السبعة الممتازة (تثنية 08 – 8)، ويقال أن قدماء الفينيقيين كانوا يعبدون عشتاروت والتي كانت على شكل نخلة تسمى في التوراة (اشميرا) أي السارية (تثنية 034 – 3)، وسميت العديد من بنات اليهود “تامارا” أي التمر والنخل معًا، لاعتقادهم أن صاحبة الاسم ستكون جميلة وممشوقة القوام تتمتع بالخصوبة مثل النخلة.

وفي المسيحية، يعد الاحتفال بأحد السعفة أو أحد الشعانين والذي يقوم فيه الأقباط بصنع العديد من الأشكال من سعف النخيل والخروج به في الشوارع والكنائس للاحتفال من أشهر مظاهر الاحتفاء لاستخدام سعف النخيل.

أما في الإسلام، تم ذكر النخيل في أكثر من عشرين آية قرآنية، ومنها على سبيل المثال قول الله عز وجل “أنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب”، في سورة “المؤمنون”، كما تناولتها الكثير من الأحاديث النبوية.

ألعاب شعبية ارتبطت بالنخيل

يقول رمضان جمعة، مزارع في العقد السابع من عمره: ونحن صغار كان هناك العديد من الألعاب تعتمد في الأساس على جريد النخيل، فهو ما كان متاحا لدينا وقتها، ومن هذه الألعاب لعبة “الخضرة والوزير”، وهي تعتمد على جريد النخيل ويتم اللعب من خلال تقشير إحدى جوانب الجريدة الخضراء فيصبح جانب لونه أبيض والجانب الآخر لونه أخضر، ويقوم اللاعب بقذف تلك الجريدة إلى الأعلى، أما اللاعب الآخر فيقوم بضرب الجريدة مرة أخرى فإذا ما وقعت الجريدة على الجنب الأخضر كانت “ملك”، أما إذا وقعت على الجانب الأبيض صارت “وزير”، وهنا يقوم الملك بإصدار الأحكام على اللاعبين ويقوم بتنفيذها هو الوزير.

ويردف جمعة، كما كان يوجد أيضًا لعبة أخرى يستخدم فيها جريد النخيل أيضًا تسمى “الحكشة” وكانت من الألعاب المفضلة لدينا، وهي تتشابه مع اللعبة الحديثة المسماة “هوكي”، حيث كنا نستخدم جريد النخيل كعصاة لضرب الكرة الصغيرة وكانت تتكون من فريقين ويحاول كل فريق الفوز على الآخر.

طلع نخيل - تصوير: أحمد دريم
طالع النخيل – تصوير: أحمد دريم

عادات ومعتقدات

هناك بعض العادات والتقاليد القديمة التي كانت توجد في القرى ومنها قرى الفيوم ويجب على طالع النخيل إتباعها، وهي أنه في حال ما كانت النخلة بين المنازل أن ينادي بصوت عالي قبل أن يصعد النخلة حتى ينبه ساكني المنازل المجاورة لها وخاصة السيدات بغلق النوافذ أو النزول من على الأسطح حتى لا يكشفهم “طالع النخل”.

أما الجمار وهو قلب النخلة والذي يوجد في جزئها العلوي الذي يلي جريدها مباشرة، كان يُقدم للضيف دلالة على الكرم الشديد والاحتفاء بالضيف، كونه واجب يستلزم قطع نخلة للحصول على قلبها، ولكن تلك العادة انتهت بالفيوم ولم تعد موجودة الآن.

ومن عادات طالع النخل وقبل صعوده النخلة أيضًا، أن يقرأ الفاتحة والمعوذتين، حماية له وصيانة حتى لا يتأذى وهو في الأعلى عندما يجد ثعابين قد تسكن أعالي النخيل، كما يجب عليه عدم قتلها بل يقم بإبعادها فقط لأن قتلها في المعتقدات نذير شؤم لمالك النخلة وأهل بيته.

تلقيح النخيل - تصوير: أحمد دريم
تلقيح النخيل – تصوير: أحمد دريم

الطلع

هو أول ما يظهر من ثمار النخل الذكر، فالنخل نبات ثنائي منه نخل ذكري وآخر أنثوي، وكلاهما يخرجان “العراجين” التي تحمل ثمار البلح، ورغم أن التلقيح يحدث تلقائيا، إلا أنه لابد أن تلقح النخلات المؤنثة حتي تكون كمية البلح التي تنتجها جيدة وذات نوعية ممتازة، لذلك يقوم طالع النخل المتخصص في عملية التلقيح بنقل بعض من العراجين الذكرية ورش طلعها على العراجين الأنثوية، وذلك بعد أن ينشق “الإغريض” أي “الكوز” الذي يحتوي على العراجين الأنثوية وتبرز منه، وبعد التلقيح يثمر العرجون ويبدأ نمو ثمار البلح.

ولا يقتصر استخدام الطلع في عملية التلقيح للنخيل فقط، فقد اشتهر استخدام الطلع في الطب الشعبي بفائدته في علاج بعض الأمراض، لكن الاستخدام الأشهر للطلع والذي جعل له شعبية كبيرة استخدامه كمنشط جنسي للرجال، ويقول ابن البيطار “دقيق طلع النخل ينفع من الباه ويزيد في المباضعة”، وينصح بتناول دقيق الطلع مع عسل النحل.

عماد هلال، مدير بيت ثقافة سنورس - من صفحته على فيس بوك
عماد هلال، مدير بيت ثقافة سنورس – من صفحته على فيس بوك

التغني بها في الأفراح

يقول عماد الدين هلال، الباحث الشعبي ومدير بيت ثقافة سنورس، إنه يظل الموروث الشعبى بما يحمله إلينا من قصص وأساطير هو مزيج بين الواقع والخيال ولهذا فإن تلك القصص الغريبة تعد مدخل أساسي يعكس أوضاع المجتمع بكل مافيه والنخيل يضرب بجذوره في التاريخ المصري، وسكان الصعيد يطلقون على النخلة (العمة) أي أنها شبيهه بأخت الأب لحنوها المشهور.

ويضيف هلال، النخلة هي من الباسقات، حيث تمنح الطبيعة رسوخا وأبدية، فروعها في الهواء منطلقة، لكنها لا تميل معه ولا تنحني أمام الأعاصير وقد استوحى منها الفنان الفرعوني شكل المسلة المصرية التي تغزو الفضاء، وكان يقدسها، وكانت بالنسبة له من أشجار الفردوس، وفى سفر التكوين هي شجرة المعرفة، أما في القرآن الكريم فهي الشجرة التي أوت إليها السيدة مريم العذراء في مخاضها، لتهزها فتسقط عليها رطبا.

ويضيف الباحث الشعبي، أنه تم ذكر النخيل أو مشتقاته في العديد الأمثال الشعبية و الأغاني الشعبية التي كان يتغنى بها الفلاحين في قرى الفيوم ومنها “يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا”، وأغنية “يا جريد النخل العالي ميل وارمى السلام”، وأغنية “يطالع النخلة هات لي معاك بقرة تحلب وتسقيني بالمعلقة الصيني”، وهي من الأغاني التي كنا ونحن صغار نغنيها في تجمعاتنا بالقرية.

ومن الأمثال الشهيرة التي ذكرت فيها النخلة:

  • “الله يديك عمر النخلة”، وذلك لتمتع النخلة بالعمر الطويل.
  • “في الوش مرايا وفي القفا سلاية”، وكلمة سلاية في العامية واللهجة الفيومية تعنى الأبرة والمثل يصف الشخص المنافق صاحب الوجهيين، والسلاية هي إحدي شوك جريد النخل.
  • ” الطول طول النخلة والعقل عقل سلخة”، وتقال كي لا يخدعك طول الشخص فقد يصبح إنسان لا عقل له ومحدود التفكير.
  • “كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا”.
  • قالوا الجمل طلع النخلة أدى الجمل وأدى النخلة”، وتقال عند الرغبة في أن يبرر الشخص فعل ما.
  • “الغنى قال الفأر قرض الحديد قالو له حصل .. و الفقير قال الفأر قرض الجريد قالو له بلاش كذب، ياعينى على الفقير يا ولداه”، ويقال عند تعرض الشخص الفقير للظلم.
  • “هزي بلحك يا نخلة”، وذلك علامة لسمع الأخبار الجيدة.

السيوي أشهر أصناف البلح في الفيوم

يقول عبدالمنعم معوض، مهندس زراعي، إنه تحتل الفيوم مركزا متقدما نوعا ما في إنتاج التمور في مصر، فبحسب تقرير لمنظمة الزراعة والأغذية “فاو” تسهم محافظة الفيوم بـ6% من إنتاج مصر من التمور، ويعد التمر السيوي من الأصناف النصف جافة التي تنتشر زراعته في الفيوم، وقد يصل إنتاج النخلة إلى 100 كيلو جرام، وتمتاز ثمرة البلح السيوي بحجمها المتوسط نوعا ما، ويكون لونها أخضر فاتح ثم في إحدى مراحل نضجها تكون صفراء  وبعد اكتمال نضجها تتحول إلى اللون البني الفاتح الذي يتحول إلى البني الداكن عند تخزينها، كما تمتاز ثمار البلح السيوي بطعمها اللذيذ المميز ونسبة السكر المرتفعة.

وبدأت مديرية الزراعة في الفيوم، الاهتمام بجميع أصناف النخيل في المحافظة، حيث تقوم بحملات مقاومة لآفات وحشرات النخيل، وتقدم النصائح والإرشادات لمزراعي النخيل.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر